منذ إعلان فيسبوك عن عزمها إصدار عملة إلكترونية جديدة باسم (ليبرا) تشارك معها مجموعة من البنوك والشركات العالمية الأمريكية، والعالم الصناعي المتقدم وعلى رأسها الولاياتالمتحدة ممثلة بالرئيس الأمريكي في البيت الأبيض يظهرون قلقهم الكبير ومخاوفهم العظيمة تجاه مشروع العملة الإلكترونية الجديدة، إذ صرح البيت الأبيض الأسبوع الماضي من خلال وزير الخزانة (ستيفن منوتشين) قائلا إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تشعر بقلق بالغ إزاء عملة (فيسبوك) المقترحة (ليبرا) التي أثارت بالفعل غضب الرئيس ترمب والمشرعين الديمقراطيين، إذ قال وزير الخزانة الأمريكي «إن هذه قضية أمن وطني، ولن نسمح لمزودي خدمات الأصول الرقمية بالعمل في الظل» كما أعرب وزير الخزانة الأمريكي عن قلقه إزاء العملة المشفرة موضحا أن وزارته لديها مخاوف «جادة» من أن يساء التعامل مع عملة (ليبرا) من قبل غاسلي الأموال وداعمي الإرهاب ماليا، وقال حرفيا مهددا إن شبكة الجرائم المالية بوزارة الخزانة «سوف نتعامل مع أي كيان يعقد صفقات بعملات (بيتكوين) و(ليبرا) أو أي عملة رقمية وفقا لأعلى معاييرهما». وعبر وزير الخزانة عن مخاوفه قائلا «لا أشعر بالراحة اليوم، هم وآخرون لديهم الكثير من العمل للقيام به لكي أشعر بالارتياح»، وغرد الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي في نفس الموضوع قائلا «إن هذه العملات ليست نقودا». وأكد وزير الخزانة الأمريكي أن هناك تحقيقا يجري حاليا في استخدام العملات الرقمية لأغراض غير قانونية. وخلال اجتماع وزراء مالية الاقتصادات الكبرى في العالم على هامش قمة الدول السبع الصناعية الكبرى في فرنسا الأسبوع الماضي، طرح هذا الموضوع وتمت مناقشة هذه القضية بالتفصيل مع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) جيروم باول وأعرب باول عن معارضته للعملة الإلكترونية الجديدة (ليبرا)، وتبنى موقف الرفض وزير المالية الفرنسي (برونو لوميير)، ومحافظ بنك إنجلترا (مارك كارني)، وصرح وزير المالية الألماني (اولاف شولتس) أنه يتعين على الهيئات التنظيمية ضمان أن العملات الرقمية مثل (ليبرا) لا تهدد الاستقرار المالي وخصوصية المستهلكين، وأكد أن «إصدار عملة يجب أن لا يكون بيد شركة خاصة كونه عنصرا أساسيا لسيادة الدولة». وأكد أن «اليورو ما زال الوسيلة الوحيدة للمدفوعات في منطقة اليورو» وأضاف أن برلين تنسق جهودها دوليا مع حلفائها لضمان الاستقرار المالي وحماية المستهلكين وسد أي ثغرات قد تسمح بغسل الأموال وتمويل الإرهاب. إجماع للدول العظمى ضد إعلان مؤسس فيسبوك (مارك زوكربيرغ) الذي أعلن عن العملة الجديدة في بداية شهر (يونيو) الماضي عن رغبته وعزمه إطلاق عملة خاصة ل(فيسبوك) على الإنترنت اعتبارا من عام (2020م) التي يمكن من خلالها شراء عملات مستقرة مثل الدولار واليورو وبتسديد مشتريات عبر الإنترنت بهذه العملة، وتستهدف هذه العملة الجديدة الأشخاص الذين يريدون تحويل أموال عبر الحدود ويضطرون إلى دفع رسوم مرتفعة، وأبدى العديد من الخبراء الماليين في العالم عن قلقهم من هذه العملة الجديدة وآثارها السلبية. لقد كتبت وحذرت في بداية ظهور عملة البيتكوين وقبل انهيارها وطالبت بضرورة مبادرة الحكومات في جميع دول العالم المتقدم ومنها دول الخليج بتحذير شعوبها من المضاربة في شراء وبيع عملة البيتكوين، ولكن للأسف لم تأت التحذيرات إلا بعد انهيار سعر عملة «البيتكوين» وخسارة البلايين من الدولارات للمتعاملين بها، وعلى رأسهم أفراد ورجال أعمال في دول الخليج، وقد تأثروا بخسارات كبيرة بعض منها ممول من بنوك محلية، واليوم تتكرر المأساة مع عملة جديدة يدعي من أطلق فكرتها أو مشروعها بأنها عملة ليست للمضاربة وإنما للبيع والشراء فقط، إلا أنني أتفق مع التحذيرات الأمريكية والأوروبية تجاه العملة الجديدة التي اعتبرها مدخلا جديدا لتجارة غسل الأموال وعصابات تمويل الإرهاب. وأتساءل أخيرا هل ينضم وزراء مالية دول الخليج لوزراء مالية الدول الصناعية السبع الرافضة للعملة الجديدة؟ وهل بالإمكان أن يعلن وزراء مالية دول الخليج عن موقفهم تجاه العملات الرقمية وعلى وجه الخصوص عملة «الليبرا»؟ وهل بالإمكان أن ينسق وزراء مالية دول الخليج مع وزراء مالية الدول السبع لوضع برنامج محكم لمراقبة وضع العملات الإلكترونية ومتابعة المتعاملين بها وذلك لوقف جرائم غسل الأموال ودعم الإرهاب. * كاتب اقتصادي سعودي