لم يكن الرهان القطري خاسرا في السودان، أكثر من هذا التوقيت، الذي بات فيه الشعب السوداني على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، أكثر يقظة وانتباها، وحرصا على «كنس» كل النظام الإخواني الذي كان جاثما عليه لأكثر من 30 سنة، جرده فيها من أبسط حقوقه في الحياة الكريمة والمعيشة، ناهيك عن إدخاله في شظف العيش ومرارة الحياة. بالأمس قلب الشعب السوداني الطاولة على رأس النظام الإخواني عمر البشير، فكان السقوط مدويا لتلك الدولة التي لم تراع في الشعب السوداني إلاً ولا ذمة، فعكفت طيلة السنوات الماضية على محاولة إنشاء إمبراطورية إخوانية تقتات على بقايا الشعب السوداني، فأذاقتهم لباس الجوع والبطش طيلة 3 عقود، وتمد نفوذها شمال تلك الدولة، إلى مصر، علها تخطفها من الأمن والأمان الذي تعيش فيه، فلم يتوقف الإرهاب القطري، طيلة سنوات حكم البشير، بدءا من المحاولة الإرهابية التي باركتها الخرطوم بقيادة الترابي والبشير، لاغتيال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، وليس انتهاء بإيواء كل الفلول الإرهابية الهاربة من العدالة في مصر، عقب يقظة الشعب المصري، وقراره التاريخي ب«كنس» الإخوان من أراضيه قبل فوات الأوان، لتجد تلك الفئة نفسها، بلا أمل في البقاء في رحاب مصر الطاهرة، ولم تجد سوى أرض السودان المغتصبة من فئة الإخوان لتفر إليها، علهم يلمون شتاتهم، ويأتون لمصر مجددا من البوابة الجنوبية، بعد ارتكاب الجرائم ومحاولة ترويع الآمنين. لكن السودانيين الذين عرفوا بأنهم صبورون إلى حد كبير، باتوا هذه المرة أكثر وعيا حيال ما يخطط لهم، فلم تنطل عليهم الوعود القطرية بملايين وهمية من الدولارات، علها تحيدهم بعيدا عن إسقاط الإخوان من سدة الحكم، فالمشهد رغم قتامته طيلة الفترة الماضية، إلا أنه كان واضحا فيه حجم الخداع والمكر، إذ استأسدت قطر في بداية الثورة السودانية، التي طالبت بالخبز في بدايتها، وتوعدت كل من يقترب من البشير، معلنة على رؤوس الأشهاد أنها ستحميه وتحمي نظامه، ووعدته بالدعم إلى ما لا نهاية، لتراهن على قوته في البطش والتنكيل، وإرهابية الإخوان في التعامل مع الآخرين، تارة بالاستعطاف باسم الدين، وأخرى بالاعتقالات أو حتى بالاغتيالات. ومرة أخرى يثبت الشعب السوداني، أنه قادر على إدارة معركته الفاصلة في إسقاط البشير، ليصفع قطر بكل قوته، التي كعادتها لا تراجع حساباتها، ولا تأبه بوحدة العروبة أو حتى العرق الأصيل، فتأتي هذه المرة، بفلول النظام الإخواني علها تقلب الطاولة على الشعب السوداني الطيب، في محاولة لتعليق محاكمات الرئيس البشير وعدم مضيها قدما في أن تطال العدالة كل باطش قاتل لشعبه ومصدر الإرهاب لجيرانه. جاءت قطر إلى السودان هذه المرة من أوكار مخفية بعدما كانت تسيطر على أركان الدولة في السودان، تريد أن تحول الشوارع السودانية إلى أشلاء وجثث، خصوصا أنها أيقنت أنه لا بقاء للإخوان في بلاد السمر، في أعقاب حرص السلطة الجديدة على تثبيت أركان العدالة بالتقاط الإخوان على اختلاف جنسياتهم وتسليمهم لبلدانهم، ليجد كل مجرم هارب جزاء ما اقترفته يداه من جرم.