بعد إقرارها من مجلسي الوزراء والشورى، بدأ مركز الإقامة المميزة في المملكة استقبال طلبات الحصول عليها من خلال المنصة الإلكترونية (سابرك) حسب كل فئة، الأولى: وهي 800 ألف ريال للإقامة غير محددة المدة مع استيفاء الشروط، والثانية: 100 ألف ريال للسنة الواحدة مع تخفيض تراكمي في حال تمديدها سنويا. هذا النظام الجديد خطوة مهمة لأسباب عدة؛ أولها أنه يسهم في الحد من التستر التجاري الذي استفحل على مدى عقود من الزمن، وما نتج عنه من نشوء اقتصاد خفي ارتبط بمشاريع وأنشطة كثيرة في قطاعات التجارة والخدمات والصيانة، مقابل مبالغ يجنيها المواطن السعودي المتستر بأوراق رسمية روتينية، فيما يجني المقيم المتستر عليه عائدات، ومجمل خسائر التستر تمثل نسبة كبيرة من التحويلات إلى الخارج تقدر بنحو 136 مليار ريال. فالقطاع التجاري في المملكة ليس بالقليل ويمثل سوقا هو الأضخم في المنطقة، وعمل فيه كثيرون تحت التستر منذ فترات طويلة وفي أنشطة مختلفة، وبعضهم يدير ويشغّل رؤوس أموال بالملايين أو ربما عشرات الملايين ويستوردون ويبيعون بالجملة والقطاعي باسم المواطن، وهؤلاء سيفيدهم كثيرا نظام الإقامة المميزة مثلما يفيد اقتصادنا، كما سيعزز الثقة بضمان حقوق هؤلاء وليس بالتستر الذي تسبب في مشكلات وقضايا كثيرة وأضرار للطرفين السعودي والمقيم، خاصة في حالات قد يستحوذ فيها مواطن متستر على النشاط غير النظامي للمقيم المتستر عليه، والعكس أيضا عندما يقوم الأخير بتصفية نشاطه فجأة وسفره بالأموال، فيما النظام الجديد للإقامة المميزة يعزز الثقة في الاستثمار وأمان رأس المال والنشاط التي تضمنها وتحميها بل وتحفزها الأنظمة والقوانين ذات الصلة، إضافة إلى أن التحويلات المالية تكون معلومة المصدر وضمان نظامية النشاط. هنا تأتي ميزة أخرى للنظام الجديد، بالنفع على الاقتصاد الوطني الذي يشهد حاليا مرحلة تحول جاد وواسع لتنويع مصادر الدخل وجلب الاستثمارات، ومن شأن نظام الإقامة المميزة الإسهام في ذلك بزيادة حجم المشاريع وحركة رأس المال داخل المملكة وتوفير فرص عمل للمواطنين وتنشيط حركة العقار السكني والتجاري والصناعي، وهو نظام معمول به في دول كثيرة تتنافس على جذب ذوي القدرة الاستثمارية، ولن نذهب بعيدا حيث الولاياتالمتحدة وغيرها، إنما في دولة الإمارات العربية التي طبقت نظام (الجرين كارد) وتستهدف جذب نحو 100 مليار درهم، وهو مبلغ غير قليل يزيد من الاستثمار والنمو. جذب رؤوس الأموال هو عنوان اهتمام الدول اليوم، ونظام الإقامة المميزة أو تحت أي مسمى، هو أحد روافد ذلك، خاصة أن المملكة تشهد حراكا غير عادي في عقد شراكات عالمية وجذب استثمارات ضخمة على مستوى الدولة في مجالات كثيرة صناعية وتقنية وخدمية ولوجستية، ومدن ترفيهية وسياحية غير مسبوقة ذات مواصفات عالمية وتصميم وأهداف مستقبلية. أخيرا تبقى الإقامة المميزة مطلوبة في مجال آخر هو استثمار الكفاءات المميزة، خاصة في التخصصات الدقيقة التي تفيد كثيرا في العلم ومجالات الأبحاث والتقنية وهكذا فعلت دول متقدمة عديدة، فمع توطين الصناعات المتطورة واهتمام المملكة بالاقتصاد الرقمي، وأهمية إنشاء مراكز أبحاث متخصصة في مجالات عديدة، تصبح الإقامة المميزة للمبتكرين والقيادات الناجحة في مجالات متقدمة، ذات نفع كبير يمكن الاستفادة منه إذا تمت هذه الخطوة لكن بشروط مغايرة تحفز مثل هؤلاء على الاستقرار لهم ولأسرهم وإنتاجهم العلمي. * كاتب سعودي