حذر النائب العام الشيخ سعود بن عبدالله المعجب من الظواهر الإجرامية التي تهدد أمن الأفراد والمجتمعات وسلامتهم لاسيما في ظل ما يشهده العالم أخيراً من تطور ملحوظ في أساليب ارتكابها. وقال في كلمة له أمام المشاركين في المؤتمر الإقليمي الأول للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن الجريمة لم تعد ذات الشكل التقليدي لارتكابها، بل غدت كثير من تلك الجرائم عابرةً للأوطان، متجاوزة للحدود، ما يتطلب مزيداً من التعاون بين الدول والمنظمات في إطار مكافحة تلك الجرائم والحد من انتشارها واستشرائها. وأضاف في المؤتمر الذي يهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في مواجهة التهديد المتصاعد لعمليات تمويل الإرهاب وغسل الأموال: لاشك أن جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تأتي في صدارة تلك الظواهر الإجرامية مع إدراكنا مدى العلاقة السببية في كثير من النماذج الإجرامية لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب كون إحدى هاتين الجريمتين -في الغالب- رافدا للآخر متمماً لأركانه مقصوداً في نتائجه، فكم من جريمة تمويل للإرهاب غُذيت أصولها ومولت أركانها من جريمة غسيل لأموال، ما يوقع على الدول العبء في إطار مكافحة تلك السلوكيات الإجرامية داخليًا وخارجيًا عبر الأطر القانونية والإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية، وقبل ذلك كله بتعزيز التعاون الدولي لمواجهة تلك الجرائم. وتابع المعجب في المؤتمر الذي تنظمه النيابة العامة المصرية بالتعاون مع الرابطة العامة للمدعين العامين «ولعل من أهم الخطوات الإيجابية التي نحاها العالم عبر منظوماته الدولية والإقليمية هو الدخول في مبادرات واتفاقيات لمكافحة جرائم تمويل الإرهاب، وغسيل الأموال بصفتهما شريان الجسد الإجرامي الذي يضرب البناء الاقتصادي العالمي وبالتالي يأتي على كل مناحي الحياة بالهدم والإبطال». ولفت النائب العام النظر إلى ما أقرته وأنجزته المملكة من التشريعات والإجراءات ذات العلاقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بهدف الحد من المخاطر المرتبطة بتلك الجرائم، مبينًا أن المملكة أكدت وتؤكد من جديد التزامها القوي بالجهود العالمية المشتركة لمكافحة غسيل الأموال والإرهاب، والتي تتعاون فيها مع شركائها وحلفائها على الصعيد الدولي. واستطرد المعجب قائلًا: إن المملكة العربية السعودية، هي شريك أساسي في التحالف الدولي ضد التنظيم المسمى (داعش)، وتقود مجموعة عمل مكافح تمويل «داعش»، إلى جانب الولاياتالمتحدة وإيطاليا، قد سنت وأقرت ونفذت خلال السنوات الماضية العديد من القوانين والإجراءات التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتخفيف من المخاطر المرتبطة بها وتجفيف منابعه، مشيرًا إلى إشادة تقرير التقييم المتبادل حول المملكة العربية السعودية، والذي نشره فريق العمل المالي (فاتف) في سبتمبر2018 بمستوى التزام السعودية بتوصيات المجموعة. وأضاف: لقد أوضح تقرير (فاتف) أن إجراءات المملكة الوقائية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قوية ومتينة، كما أكد التقرير أن لدى المملكة إطارًا قانونيًا وإجراءات تنسيقية لتنفيذ العقوبات المالية المستهدفة التي تفرضها الأممالمتحدة دون تأخير. وشدد النائب العام على دور المملكة قائلا: لم تألُ المملكة العربية السعودية جهدًا في إطار مكافحة هاتين الجريمتين، إذ تعد من أوائل دول العالم تضررًا بالعمليات الإرهابية، واكتواءً بنارها، الأمر الذي جعل تجربتها في مكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر جميع أجهزتها ومؤسساتها وهيئاتها ومنها النيابة العامة، أنموذجًا يحتذى ومثالًا يقتدى به. وأشار النائب العام إلى المبادرات التي سارعت إليها المملكة العربية السعودية، ضاربا المثل بما شهدته أخيراً من تغييرات أساسية ومتلاحقة في إطار مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب منذ العام (2010م)، حيث جرائم الإرهاب وتمويله في ظل التقييم الوطني للمخاطر في المملكة، حيث يعالج النظامان المنقحان أوجه القصور، ومواطن الضعف التي حددها تقرير التقييم المتبادل لمجموعة العمل المالي للمملكة العربية السعودية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لعام 2010، والآليات المحدثة التي أضيفت إلى توصيات مجموعة العمل المالي (فاتف) المعدلة في عام 2012، كما يعالج النظامان استنتاجات التقييم الوطني للمخاطر، أخذ في الحسبان تجارب الدول في هذا المجال وأفضل السبل في رحاب تطبيق المعايير والمتطلبات الدولية والآليات المستحدثة في تعزيز التنفيذ الفاعل للتدابير القانونية والتنظيمية لمكافحة الإرهاب وغسل الأموال. ولفت المعجب إلى الدور الحيوي الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي، متطرقًا إلى ما اتخذته المملكة من تدابير وإجراءات على المستوى الوطني حيث صدر أخيراً نظام «مكافحة الجرائم وتمويله» 2017، وكذلك وضع التدابير وإقرار الإجراءات التي تهدف إلى تنظيم العمل الخيري وخلال تفعيل الدور الإشرافي والرقابي على تلك الأعمال الخيرية وعوائدها المالية بما يحقق المصلحة ويضمن وصولها إلى مستحقيها من أفراد ومؤسسات المجتمع الدولي. وأوضح أنه في إطار مكافحة غسل أموال تم تحديث نظام مكافحة غسل الأموال في فترات زمنية متقاربة واكبت فيها المملكة المتغيرات والنوازل الدولية والإقليمية في إطار مكافحة هذه الجرائم؛ حيث صدر أخيراً نظام مكافحة غسل الأموال للعام 2017. وكشف النائب العام ما قامت المملكة من تدابير حيال مكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وإنشاء لجنة دائمة لمكافحة غسل الأموال مكونة من ممثلين من عدد من الجهات الحكومية المختصة بتقييم المخاطر الناجمة عن جرائم غسل الأموال، حيث أصدرت النيابة العامة دليل إجراءات غسل الأموال رسمت فيه آلية مكافحة الجريمة من جميع الجهات ونظمت فيه أبوابًا مستقلة لوضع إجراءات الحجز والمصادرة وتتبع الأموال والتعاون الدولي، وكذلك بإنشاء وحدة مستقلة بالنيابة العامة تعنى باسترداد عائدات الجرائم من الخارج في جميع الجرائم لاسيما جرائم غسل الأموال. وأكد المعجب أن المملكة العربية السعودية ملتزمة بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية مثل فريق العمل المالي، والهيئات الدولية الأخرى ذات العلاقة، للحيلولة دون استخدام نظامها المالي لتمويل الإرهاب وغسل الأموال، حيث تتابع بشكل دؤوب التعاون المشترك في ما يخص هذه القضايا من خلال المنتديات التي تشارك بها بشكل فعال، وفي إطار وضع تشريعات وتعليمات للقطاع المصرفي والمالي، وذلك للتأكد من أن البنوك والقطاعات المالية تأخذ بمبدأي الحيطة والحذر، وأن إجراءاتها الداخلية تمكن من معرفة هوية العملاء، والأنشطة والعمليات التي يقومون بها، مبينًا أن المملكة قامت باتخاذ عدة إجراءات لتدعم الأطر القانونية لها. ولفت إلى قيام مؤسسة النقد العربي السعودي بإصدار دليل استرشادي لكافة البنوك السعودية لمنع ومكافحة عمليات غسل الأموال، وهذه الإرشادات مستمدة مما ورد بالتوصيات الأربعين لمجموعة العمل المالي ومنها: مراقبة العمليات المشبوهة والتبليغ عن الأنشطة المشتبه بها إلى الجهات الأمنية وإشعار مؤسسة النقد العربي السعودي، وهذه الإرشادات متوائمة أيضًا مع مبادئ لجنة بازل، الخاصة بالإشراف على المصاريف والممارسات الدولية في القطاع البنكي، وقد حُدثت هذه الإرشادات وأصدرت بموجب تعميم المؤسسة للبنوك كقواعد لعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأضاف: وفي إطار متابعة تنفيذ الإجراءات والتدابير النظامية لمكافحة جرائم تمويل الإرهاب وغسل الأموال صدر أخيراً قرار مجلس الوزراء رقم (42) المؤرخ في 1440/1/15 بشأن تلك الأهداف (2017 - 2019) من خلال الأجهزة والمؤسسات ذات العلاقة كل فيما يخصه والتنسيق فيما بينها في ضوء ثمانية أهداف إستراتيجية للحد من مخاطر الجريمتين، تتمحور حول تعزيز التعاون والتنسيق المالي والدولي في مجال تمويل الإرهاب وغسل الأموال ودعم كشف الجريمة والتحقيق والمقاضاة، ورفع مستوى الوعي حول مكافحة هاتين الجريمتين، وتعزيز الأنظمة التقنية للمكافحة. وتابع: أيها الحضور الكريم: لا يخفى على الجميع ما تبذله المملكة العربية السعودية من جهود مع كافة الأطراف الدولية من دول ومنظمات فاعلة في مجال العدالة الجنائية ومكافحة الجرائم؛ لاتخاذ كل ما يكفل الحد من تلك الظواهر الإجرامية ويجفف منابعها عبر الإجراءات والوسائل اللازمة في إطار عمل تكاملي وهدف مشترك. وأعرب عن خالص الاعتزاز والتقدير لجمهورية مصر العربية الشقيقية قيادة وشعبًا لما لاقيناه من حسن الضيافة وحفاوة الاستقبال، مكررًا شكره وتقديره للمستشار نبيل صداق النائب العام لجمهورية مصر العربية، متمنيًا أن يحقق هذه المؤتمر النجاح المرجو والمأمول.