أتحسر عندما أنظر من حولي، شبابا وشيوخا، وآراهم يتفننون في إضاعة الوقت، بل وقتله دون رحمة، فهؤلاء يقضون ساعات طوالا يتلاعبون بهواتفهم فيما لا طائل من ورائه، بل ربما ارتكبوا من الآثام والذنوب والمعاصي ما يرديهم ويوردهم موارد التهلكة، وقد نسوا، أو تناسوا أنهم مسؤولون عن هذا الوقت، فالوقت هو العمر، وكلنا محاسبون على أعمارنا فيم قضيناها، وأتخيل ردود هؤلاء عندما يسألون أمام المولى عز وجل عن هذه الأعمار والأوقات، وكيف قضوها في حياتهم الدنيا، فيم يجيبون؟! وهؤلاء -وهم الشيوخ والعجائز- ممن لا يجيدون اللعب بهذه الهواتف، وجدوا طريقا آخر لإضاعة الوقت وقتله، يتمثل في «السواليف» التي تمتد لساعات وساعات. أما عند النساء، فحدث ولا حرج، فأحاديثهن -سواء في الهاتف أو في اللقاءات- تمتد على مدار اليوم والليلة، ومعظمها فيما لا يفيد، بل لا تخلو من غيبة ونميمة ممقوتة. هذه الصور المزرية لإضاعة الوقت/ العمر من قبلنا تراءت أمام عيني وأنا أقارنها بمواقف السلف الصالح من الوقت والعمر، فالحسن البصري -رحمه الله- يقول: يا ابن آدم؛ إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك. وابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي. أما يحيى بن معاذ -رحمه الله- فيقول: إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت انقطاع عن الحق، والموت انقطاع عن الخلق. هكذا فهم السابقون الأوقات والأعمار، وأدركوا قيمتها، فاقتربوا من الله تعالى، وتركوا لنا من العمل الصالح ما نفخر به. أعمارنا لحظات وأيام، فليحسن كل منا استغلال هذه اللحظات والأيام، ولنستعد للإجابة عن السؤال الإجباري بعد الموت، فيم قضينا أعمارنا؟ وجوه الخير والبر والإحسان التي يمكن أن نضيء فيها أعمارنا وأوقاتنا لا تعد ولا تحصى، وكلنا بإمكانه أن يدرك تلك الوجوه، فيوظف عمره في إدراكها والاستفادة منها. كلنا يعرف ذلك المثل الشائع: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولعمري أننا تركنا أنفسنا للسيوف تقطع فينا كيف شاءت. فهل ندرك قيمة الوقت قبل أن تنقضي الآجال، لنجيب عن السؤال: فيم قضينا الليالي والأيام؟!