ألا يعد سفاهة ما قام به رئيس وزراء كندا ووزيرة خارجيته من تصفية الحسابات مع السعودية باستخدام قضية مراهقة سعودية، بعد هروبها من عائلتها أثناء وجودها في الكويت، واعتصامها بفندق في مطار بانكوك لتطلب اللجوء، في وقت يطالب عقلاء كندا رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية بإيجاد حل يمهد لاستئناف العلاقات مع الرياض؟ من غير المعتاد أن تقفز دولة أخرى لعرض استقبال فتاة صغيرة (مراهقة) فارة من عائلتها، وهي لم تتقدم أصلاً إلى السلطات الكندية! لقد سارعت وزيرة الخارجية لإصدار قرار بقبول رهف «لاجئة سياسية»، من دون المرور على الخطوات الإجرائية المعتادة التي تستغرق عادة نحو 20 شهراً قبل منح اللاجئ حق اللجوء. وما أكثر الفارين من جحيم الحروب والإرهاب.. والطالبين للجوء حول العالم الذين يعانون مما لا تعاني منه رهف. والأكثر إثارة للاستغراب أن وزيرة الخارجية الكندية، التي تسببت «تغريدة» منها في القطيعة الراهنة بين الرياض وأوتاوا، كانت شخصياً في استقبال الفتاة المراهقة حين وصولها إلى تورونتو؛ بل قدمتها إلى الصحافة الكندية والعالمية باعتبارها «مواطنة كندية جديدة»! تلك التصرفات الصبيانية المريبة دعت خبراء في القانون والهجرة واللجوء إلى الإعراب لشبكة «سي بي سي» الحكومية الكندية عن دهشتهم من الأجندة الخفية التي تقف وراء الاحتفاء بتلك المراهقة. ويتصدر تلك البنود تصوير رهف باعتبارها ضحية اضطهاد وتعنيف. وتلك أساليب يلجأ إليها البعض لتعظيم مكاسبه السياسية لدى الرأي العام. وبالطبع تصبح تلك الأجندة واضحة حين «تزحلق» وزيرة الخارجية كريستيا فريلاند الأمر إلى الجماعات التبشيرية أو ما يسمى هناك «المسلمون السابقون»، بدعوى أن الفتاة السعودية تخلت عن دينها، وتناولت في أول إفطار في كندا لها لحم الخنزير، وشربت كأس «النبيذ»! وسرعان ما ولغت الصحف المعادية للمملكة في قضية رهف، لمزيد من التشويه للسعودية، وقيادتها، وشعبها، مرددة مزاعم وزيرة الخارجية الكندية وتلك الفتاة المغرر بها أن السعودية «سجن كبير»! ولعل الانتقادات الأبرز لتصرفات القيادة الكندية بهذا الشأن هي تلك التي وجهها السفير السابق لكندا لدى الرياض من 2009 إلى 2011 ديفيد تشاترسون، وكذلك آخر سفير لكندا لدى الرياض دينيس هوراك. فقد استغرب تشاترسون تسريع إجراءات منح الفتاة السعودية حق اللجوء، مع أن الإجراء الطبيعي هو أن يتم التعامل معها في البداية باعتبارها متقدمة بطلب للجوء، وبعد استيفاء التحريات على مدى سنتين يتم إصدار القرار المناسب بشأن الطلب. ويرى السفير هوراك أن قضية رهف ستكون لها انعكاسات سالبة على العلاقات الكندية - السعودية التي تتسم بالفتور أصلاً، موضحاً لشبكة «سي بي سي» أنه يمقت أن يرى السلطات الكندية وقد رتبت لقاء لرئيس الوزراء بالفتاة السعودية، وتهافت المسؤولين لالتقاط صور تذكارية معها. لا شك في أن هذا التعاطي الكندي مع موضوع الفتاة يسيء للسياسة الكندية، فليس منصفاً أن تستخدم هذه الفتاة الصغيرة لتحقيق مكاسب متوهمة في الخصام مع السعودية، والتباهي باستضافتها لن يكون له أي تأثير في محاولات إعادة ترميم العلاقة مع الرياض، بل سيزيدها تعقيداً، وتوتراً. الأكيد أن السعودية أكبر من مثل تلك التصرفات الانتقامية والصبيانية، فهي دولة كبيرة وتتحمل مسؤوليات جسيمة سواء على المستويات العربية أو الإسلامية أو الدولية، ونظرتها إلى رهف أن قصتها عائلية بحتة، والأنظمة كانت تكفل لها الحماية فيما لو أبلغت عن تعرضها لتعنيف عائلي، وستستقبلها المملكة في أي وقت تفكر بالعودة لأهلها ولبلادها. وكل شخص تسول له نفسه اختيار الأسلوب الذي اختارته رهف عليه أن يتحمل عاقبة قراره، بعد التخلي عن هويته، وانتمائه، وماضيه، ليصبح قادراً على التكيف والانتماء إلى واقع جديد، ولكن كما يقال «الوطن أم» وسيأتي يوم تندم على فعلتها وما اقترفته تجاه عائلتها وبلادها. ومن باب التذكير لرئيس الوزراء الكندي ووزيرة خارجيته يوجد في السعودية أكثر من 15 ألف مواطن كندي، ينعمون بالأمن والأمان والاحترام دون أن تتسبب تصرفاتكما الرعناء في خروج الساسة السعوديين عن إرث بلادهم العريق لينصرفوا للدخول في معارك كلامية للرد على الترهات الصادرة عنكما. وسيأتي يوم تكتشف فيه رهف أنها اختارت الابتعاد عن حضن أسرتها لتجد نفسها في «الملاجئ» ساعية إلى إلغاء هويتها وأهلها، وستكتشف ذات يوم أيضاً أنها بلا عمق، وأن ثمن استمرارها في مجتمعها البديل كيل المزيد من الإساءات والشتائم لوطنها وأهلها.. والنتيجة «غربة بلا حصيلة».. وستنضج رهف ذات يوم وتعرف معنى وحقيقة «وأهلي وإن ضنوا عليَّ كرام».