حسناً فعلت النيابة العامة بامتناعها عن التحقيق مع صحفي في دعوى رفعتها ضده جهة حكومية بسبب انتقاده أداءها عبر حسابه في تويتر، بحسب الخبر الذي نشرته «عكاظ» أمس الأول. حسناً فعلت لأن ذلك هو عين الصواب نظامياً وقانونياً، فقضايا النشر من اختصاص اللجان القضائية في وزارة الإعلام، وهو أمر معروف ومستقر منذ سنوات، كما أن هناك فرقاً كبيراً بين نقد أداء جهة ما وسوء خدماتها، رغم ما وفرته الدولة لها من إمكانات، والتجريح الشخصي في «شخص اعتباري باسمه وصفته»، فالأول عمل طبيعي ومن صميم مهام الصحافة، أما الثاني فقضية حق خاص وموضوع مختلف، لكن بعض المسؤولين الذين يمكن وصفهم ب«الشكائين البكائين» يتناسون أنهم مجرد موظفين مكلفين بمهام محددة، ويصرون على إشغال الأجهزة الأمنية والنيابة العامة بشكاواهم المتتالية ضد من يهمس بانتقاد أو إشارة لأي تقصير في أداء الجهات التي يديرونها أو يعملون فيها، وذلك نتيجة للنرجسية المفرطة التي تعشعش في رؤوسهم، إذ يعتقدون أن انتقاد عمل الجهة التي وضعتها القيادة لخدمة المواطن وعينتهم موظفين فيها ليس سوى إساءة شخصية لهم، بل إن منهم من يركب مركباً جنونياً ويحاول الزعم بأن انتقاد أداء جهته الخدمية يأتي من باب إثارة الرأي العام على الدولة وتهديد أمنها، وكأنه هو الدولة وليس موظفاً مهمته خدمة المواطنين ويخضع للمحاسبة على التقصير ومخالفة الأنظمة. هؤلاء لا يسرهم أبداً أن يفهموا أن الإعلام هو عين للقيادة على أداء الجهات التي تخدم المواطنين، كما أن الكاتب والصحفي هو ضمير الوطن والمواطن وهو كذلك مستشار مجاني للأجهزة الحكومية و(الخدمية على وجه الخصوص) إذ يكشف أحياناً عن مكامن القصور في الأداء لمعالجتها ويقدم حلولاً في أحيان أخرى، وهو بذلك يستحق الشكر حتى وإن تسبب في إزعاج المسؤول الذي لا يريد أن يُكشف قصور أدائه كي لا يُحاسب عليه. المشكلة الأخطر في شكاوى بعض المسؤولين التي يشغلون بها مراكز الشرط والنيابة العامة ضد الصحافة والصحفيين أنها رغم تفاهتها وعدم اختصاص الأجهزة الأمنية بها، تستغل مال الجهة الحكومية المخصص من قبل الدولة لخدمة المواطن في تعيين محامين ومستشارين قانونيين مهمتهم ملاحقة معاملات تلك القضايا ليتم دفع أتعابهم ومكافآتهم بآلاف الريالات من المال العام، وهو أمر ينبغي أن تتنبه له هيئة الرقابة والتحقيق، وكذلك هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)، فالمال العام لا ينبغي أن يخضع لمزاجية موظف ترتعد فرائصه من انتقاد عمله وأداء الجهة التي يديرها أو يعمل فيها، حتى وإن صُرف ذلك المال بشكل نظامي من خلال بنود التشغيل أو المصروفات الإدارية، وليت النيابة العامة تتكرم بإحالة صور جميع الشكاوى من هذا النوع والتي قُدمت لها خلال العامين الماضيين للهيئتين المشار إليهما لمراجعتها ولو على سبيل الدراسة. الأهم من ذلك كله أن يُلزم المسؤول الشكّاء بالرد على الرأي بالرأي وتوضيح وجهة نظره في الصحافة، إن كان يعتقد أن النقد الذي مس أداء جهته مجانب للصواب، على الأقل ليكسب احترام الناس ويريح ويستريح. * كاتب سعودي Hani_DH@ [email protected]