عندما اقتضت عملية توسعة المسجد الحرام وساحاته من الجهتين الشمالية والشرقية وجزء من الشمالية الغربية، وكان ذلك قبل ما يزيد عن عشر سنوات، رأينا معدات الإزالة وهي تزيل آلاف العمائر والأبراج والعقارات لمسافة تمتد بعداً عن المسجد الحرام إلى نحو ألف متر لاسيما الجهة الشمالية مع أن امتداد التوسعة الشمالية لا تزيد من ناحية العمق عن ثلاثمائة متر، ومع ذلك فإن أحياء كاملة قد أزيلت وأصبحت أثراً بعد عين، وهي أحياء كانت تعج بالحياة ويسكنها من خلال المواسم مئات الآلاف من الحجاج، ومن تلك الأحياء القرارة والشامية والفلق والشبيكة وحارة الباب وريع الرسام وأجزاء من جرول والمدَّعى والسليمانية والمعلاة والغزة والهجلة والمسفلة، ولما كانت التوسعة نفسها لم تأخذ وتبسط ذراعيها إلا على جزء يسير من المناطق المنزوعة لصالحها، فقد بقيت معظم تلك المناطق التي كانت من قبل أحياء سكنية، أرضاً خالية إلا من بقايا معدات أو أكشاك مؤقتة تؤجر من قبل وزارة المالية على بعض التجار وأصحاب المطاعم ومحلات الصرافة. وكان المتوقع هو أن يستفاد من تلك الساحات الخالية في مشروع يخدم المسجد الحرام وقاصديه مثل أن يكون بعضها ساحات ملحقة بالحرم الشريف أو أن تبنى عليها أبراج يكون ريعها لصالحه، أو أن تعاد لأصحابها إذا لم يكن هناك حاجة لها -لأنهم أحق بالشفقة- من غيرهم أو أن تباع على مستثمرين إذا لم يكن أصحابها راغبين فيها لتعاد أثمانها لوزارة المالية، ولكن مشروع التوسعة أوشك على الانتهاء وهو مشروع بديع وضخم أضاف نحو نصف مليون مصلٍ إلى القدرة الاستيعابية للحرم المكي الشريف ليصبح قادراً على استيعاب مليون ونصف المليون مصلٍ في وقت واحد، نقول إن المشروع أوشك على الانتهاء، بينما بقيت المناطق المزالة لصالحه التي لم تستفد منها التوسعة خالية غير مستغلة على الرغم من إحاطتها بالحرم من جوانبه الشمالية والشمالية الغربية والشرقية؛ ولذلك فإن الأمل معقود -بعد الله- في الهيئة الملكية التي كونت وعهد اليها أمر الإشراف على تطوير مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة أن تعطي هذا الأمر أولويته القصوى، وأن تضع تصوراً يحول تلك المناطق المنزوعة إلى مشاريع سكنية وتجارية وخدمية زاهية؛ ليكون المسجد الحرام واسطة العقد، وبالله التوفيق. * كاتب سعودي [email protected]