أكد عدد من المشائخ والعلماء في كلماتهم خلال مؤتمر الوحدة الإسلامية، وجوب التعاون والتقارب بين العلماء بكافة مذاهبهم الاسلامية. وقال الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، إنّ الوحدة الإسلامية أولتها مقاصد الشريعة الإسلامية أهمية كبرى، لأن الاجتماع أصل من أصول الدين. وأوضح الشيخ السديس أنّ الفقه وبعد النظر والحكمة وحسن إدارة الخلاف من أساسيات تحقيق الوحدة ودرء التصنيف والإقصاء، وأن علينا كشف الشبهات وبيان الحق للجماعات المتطرفة فيما تمارسه من تفجير وتكفير ومخالفات شرعية جسيمة. ودعا السديس إلى التعايش وتكريم الإنسان، والوقوف بحزم في وجه دعاة الغلو والتطرف، وحث على استثمار التقنية الحديثة والإعلام الجديد في مكافحة التطرف والإرهاب. وبيَّن أنّ المملكة العربية السعودية نموذج يحتذى في تحقيق وحدة المسلمين. من جانبه، ذكر رئيس المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء الشيخ أحمد حسن الطه، أنّ أغلب الدول الإسلامية تعيش نزاعات داخلية بسبب ظاهرة التصنيف والإقصاء. وقال في كلمته، إن حصاد الجماعات الإرهابية المر ما يزال مستمرا في كل مكان يعيش فيه المسلمون. وأوضح أنّ بناء دولة المواطنة ضرورة لصون وحدة الأمة الإسلامية ومواجهة الإقصاء والتصنيف، مؤكداً أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أرسى دعائم دولة المواطنة بوثيقة المدينة التي تصون حقوق المسلمين وغيرهم. واستهل رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بدولة الإمارات الدكتور علي بن راشد النعيمي كلمته بشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده على رعايتهما لهذا المؤتمر الهام، ونقل تحيات الإمارات قيادة وشعباً وتمنياتهم للمؤتمر بالنجاح الباهر. ثم أوضح الدكتور النعيمي أنّ دولة الإمارات قامت ببناء دولة وطنية وجعلت في أسس البنيان انتماءً للإسلام واعتزازاً بالقرآن الكريم، وبيّن أن ديننا هو الحصن الحصين لحماية أوطاننا وأنه لا يمكن أن نرحم غيرنا إلاّ إذا تراحمنا فيما بيننا. وذكر أنّ على العلماء مسؤولية بأن يتولوا توجيه الأمة في كل شيء وعندما يتخلوا عن أدوارهم فسيوجد الفراغ الذي يملؤه غيرهم، ويجب على العلماء أن يتوجهوا إلى أبناء الأمة وبناتها أينما كانوا بخطاب الاعتدال والوسطية، وعليهم التصدي لدعوات تسييس الحرمين الشريفين المغرضة التي تستهدف المسلمين في دينهم وعقيدتهم. ودعا إلى الوقوف بقوة وحزم خلف قيادة المملكة العربية السعودية التي تخدم الحرمين الشريفين وتوظف جهودها لخدمة المسلمين. وبيَّن وزير الشؤون الدينية الباكستاني الشيخ الدكتور نور الحق قادري، أنّه على الأمة تقريب وجهات النظر والابتعاد عن التصنيف والإقصاء، وإنّ على علماء المسلمين العمل على الجمع بين القلوب وتأليفها لا التفريق بين المسلمين. وأشاد بقيادة المملكة العربية السعودية التي تؤكد دائماً ضرورة الابتعاد عن التصنيفات المذهبية وتدعو لاتباع الحوار. وأوضح أنّ رابطة العالم الإسلامي تعمل ليل نهار على تحقيق الأهداف النبيلة التي تعمل على توحيد المسلمين، وأن للرابطة دور كبير في إبراز الصورة الصحيحة للدين الإسلامي وتعمل على تجنيب الأمة مخاطرالإقصاء والتصنيف. وذكر أمين عام هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف الدكتور عباس شومان، أنّ أمواج الجهل والتخريب والكيد تلاطمت على ديننا وشريعتنا السمحة من المتطرفين. وقال شومان: "جئنا إلى أرض الحرمين تسبقنا قلوبنا قبل أجسادنا للبحث عن بصيص أمل يعيد أمتنا للطريق الصحيح، متمنين أن يضع المؤتمر خارطة طريق تخرج الأمة الإسلامية مما هي فيه، وأنّ المؤتمر يلامس بعمق أصل المشكلة التي نعيشها". ولفت إلى أنّ جماعات التطرّف المعاصرة ترفع راية الإسلام زوراً وبهتاناً لاستعادة ما يسمونه بالخلافة على دماء المسلمين، وأنّ الخلافة نظام بشري اجتهادي وليست فريضة وهي أنماط متعددة مختلفة التجارب، مؤكداً أنّ جميع الانظمة القائمة الآن في الدول الإسلامية. وأوضح الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد الإمام والخطيب بالمسجد الحرام والمستشار في الديوان الملكي، أنّ الوحدة الإسلامية لا تعني الاندماج بل تعني التعايش والانسجام، والتعايش هو الاعتراف بحق العيش في بلد واحد بين جميع مواطنيه. ودعا إلى تعزيز روح التسامح والتعايش بين المسلمين في كل مكان، وتجاوز الأطر الضيقة وفهم الآخر. وأكد وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة، أن المسلمين دعاة سلام يمدون أيديهم لكل الباحثين عن السلام العادل، وأنّ الوحدة التي ندعو إليها هي لمصلحة وخير الإنسانية جمعاء. وبيّن الشيخ جمعة أنّ مقومات وآليات الوحدة في عصرنا الحاضر ليست هي بالضرورة مقومات الأمس، فلكل عصر ظروفه وآلياته. وأضاف أنّ ترسيخ أسس الدولة الوطنية وتوطيد دعائم الوحدة الإسلامية يتكاملان ولايتناقضان، وأن الدعوة لصف الأمة الإسلامية ليست موجهة ضد أحد بل لمصلحة الجميع، وأنّ ترسيخ أسس الدولة الوطنية الحديثة هو الأساس لتحقيق المصالح المشتركة للأمة الإسلامية، وأنّ الحفاظ على ثوابت الدولة الوطنية وبناء الدول واستقرارها هو سادس الكليات الخمس لمقاصد الشريعة الإسلامية. وأكد رئيس مجلس علماء العراق الدكتور محمود بن عبد العزيز العاني، أنّ علماء الأمة يحيون مبدءاً من أهم مبادئ الإسلام، الذي هو مقدم حتى على تعلم القرآن وقراءته، مستدلاً بالحديث الشريف "اقرأوا القرآن ما أئتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه". وبيَّن أن الاختلاف يؤدي إلى التنازع، والتنازع يؤدي إلى الضعف، وهذا قانونٌ من قوانين القرآن الكريم "ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". وذكر الدكتور العاني أنّ من أسباب تهديد الوحدة الإسلامية كثيرة، منها ماهو قومي ومنها ما هو قبلي ومنها اختلاف مصالح المختلفين، ولكن الذي نهتم به في مؤتمرنا هذا هو الاختلاف الذي سببه الدين. وبيّن أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم- قد حذّر من أول بذرة تهدد هذه الوحدة ألا وهي البغضاء، ومن الحماقة أن يتمسك البعض بالدين من خلال البغضاء. وأشار إلى أن الاقصاء هو بداية العدوان، وردة الفعل ستكون العزة بالإثم حتى ولو كان المُقصى مخطئاً فسينتصر لنفسه، والشعور بالظلم يؤدي إلى حب الانتقام، وحب الانتقام يسهل تجنيد هؤلاء في خدمة أعداء الأمة. وبيّن العاني أنّ وظيفة العلماء والمشايخ هي تصحيح الفهم والبلاغ الصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة، أما الشدة والعنف فلا يؤدون إلاً للعنف والانحراف والردة لدى البعض. من جهة أخرى، أكد المفتي ورئيس الاتحاد الإسلامي في كوسوفا الشيخ نعيم ترنافا، أنّ العلماء والمشايخ ملتزمون دوماً بالتعاليم الإسلامية وأساسيات الدين والتركيز على الاهتمام بمحبة الله ونشر المحبة بين البشر بغض النظر عن اللون واللغة والمعتقد. وأشار إلى أن الابتعاد عن القيم الدينية وعدم نشرها وتطبيقها جعل بعض المجتمعات تسيء فهم بعضها بعضاً وتكن لها المكائد والعداوة، لافتاً إلى أنّ التفسير الخاطئ والمضلل للتعاليم الدينية الإسلامية من قبل الأفراد والجماعات غير الرسمية وغير المؤهلة هي من أخطر العوامل المؤدية للاقصاء والتطرف. ودعا ترنافا إلى خطوات عملية في سبيل التصدي للظواهر السلبية كالاقصاء والتصنيف والتي تنسب للإسلام، مؤكداً ضرورة التعاون والتعامل بين جميع الجهات لإنهاء هذه الظواهر السيئة.