«كلها زائفة»، هذه النتيجة التي خلصت إليها هيئة الإذاعة البريطانية BBC في تقرير أخير لها، حول ما يجمع قصصا عديدة تبثها وسائل إعلام تركية، منها قصة السيدة المحجبة التي تعرضت صغيرتها للركل من متظاهرين مناوئين للحكومة التركية، وإشادة الناشط السياسي نعوم تشومسكي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصور جثث المسلمين تطفو في نهر في ميانمار، وفيديو لطائرة تركية تقصف موقعا كرديا في سورية. وفيما بدت التغطية الإعلامية المصاحبة لحادثة وفاة المواطن السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، تغص بالفبركات وعشرات الروايات الكاذبة والأخبار الزائفة، أكد مراسل «بي بي سي» في إسطنبول مارك لوين أنه في دولة مثل تركيا يصعب التمييز بين الحقيقة والخيال حيث تستخدم المعلومات من أجل مزيد من الاستقطاب. وفي خضم كم الروايات الكاذبة التي بثتها بعض وسائل الإعلام التركية في الفترة القليلة الماضية، يؤكد تصنيف تركيا في المركز الأول عالميا من حيث انتشار الأخبار الكاذبة، بحسب تقرير الأخبار الرقمية لرويترز، لما يراه مراقبون من انتشار نظريات المؤامرات والأخبار الزائفة في تركيا. وفي إحصاء لوكالة رويترز، يواجه نحو نصف سكان تركيا (49%) أخبارا كاذبة بالمقارنة ب9% فقط في ألمانيا، وبينت دراسة «رويترز» أن 38% فقط من الأتراك يثقون في صدق الأخبار. في غضون ذلك، انتقد وزير الدولة الإماراتي، أنور قرقاش، امتهان «بعض الصحافة التركية المحسوبة والمتنفذة» فبركة الأخبار عن دول خليجية وعربية. وقال قرقاش، عبر حسابه في «تويتر» اليوم (الأحد)، إن التجربة «تعلمنا أن الإشاعات والأخبار الكاذبة لم تكن يوماً منطق العاقل أو المسؤول»، مضيفاً «إنها تسيء إلى المصدر وتفقده ما تبقى من مصداقية». وتظهر الصحف في تركيا متحدثة باسم الحكومة، إذ باتت أخيراً مصدر التسريبات عن قضية خاشقجي. وفي عام 2016 قام الصحفي التركي الشاب محمد أتاكان فوكا بإطلاق موقع «تييت دوت أورغ» وكلمة «تييت» تعني بالتركية تأكيد، ومهمة الموقع التأكد من صدق الأخبار المنتشرة أونلاين، وقال فوكا إنهم يستخدمون في الموقع مزيجا من المهارات الصحفية والتكنولوجيا الرقمية لكشف القصص الزائفة والتي تصل لنحو 30 قصة يوميا. وأكد أنه خلال العامين الماضيين تم التحقق من زيف 526 قصة أغلبها سياسي، وتم استخدام صور تم التلاعب بها أو مزاعم كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أهمية تعليم الناس ومنحهم الأدوات للتحقق بأنفسهم من صدق الأخبار. وكشف تقرير BBC أن أحد مواقع تدقيق الأخبار في تركيا، والذي تديره كاتبة عمود في صحيفة صباح الموالية للحكومة وزوجها، يقوم بدلا من تحري صدقية الأخبار والصور بمساندة موقف الحكومة ويعمل على نزع المصداقية عن المعارضين. وقال فوكا: «لا توجد حرية تعبير في تركيا فحتى مواقع تقصي الحقيقة تستخدم كدعاية، فهي سلاح آخر في يد الحكومة». ويرى مراقبون أن تركيا معتقل لقمع حرية الصحافة في العالم، إذ تشهد منذ سنوات عمليات إخفاء القسري وتعذيب وتصفيات بحق عشرات الصحفيين المحليين والدوليين، إذ تؤكد الأرقام أن تركيا كانت وما زالت أكبر سجن للصحفيين في العالم. وفي العام 2012 نقلت وكالة «رويترز» للأنباء تقريراً عن منظمة «مراسلون بلا حدود» الرائدة في الدفاع عن حرية الإعلام، أكدت من خلاله أن عدد الصحفيين المسجونين في تركيا أكبر منه في الصين أو إريتريا أو إيران أو سورية، الأمر الذي يجعلها «أكبر سجن للصحفيين في العالم»، فوفقاً لإحصاءات اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، احتلت تركيا في العام الماضي 2017 صدارة قائمة أكثر الدول اعتقالاً للصحفيين ب73 صحفياً خلال عام، محافظة على هذه الصدارة للعام الثاني على التوالي، في حين بلغ إجمالي الصحفيين المعتقلين في تركيا منذ حادثة الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 نحو 319 صحفياً حتى العام الحالي 2018، فيما شهد العام 2016 مقتل 17 صحفياً في تركيا واعتقال 109، وإغلاق 318 وسيلة إعلامية. وكشف تقرير صادر عن لجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة أمريكية غير حكومية مقرها نيويورك، أن تركيا ضمت ما يقرب من ثلث عدد الصحفيين المحبوسين على مستوى العالم، وأشار التقرير إلى أن الزيادة الملحوظة في اعتقال الصحفيين في تركيا عام 2016، كانت وراء تسجيل أعلى رقم قياسي في عدد الصحفيين خلف القضبان حول العالم، إضافة إلى رصد ممارسات الإخفاء القسري والتعذيب وتصفية الصحفيين المعارضين والمنتقدين للنظام بمن في ذلك الصحفيون الأجانب مثل ما حدث في واقعة تصفية الصحفية الأمريكية سيرينا سحيم في 2014.