تعززت الصلة بين قلبي المشترية اللعوب والبائع الصدّاق، فرنش أبو مشاري فرنشة الديك العشاري، واحتفى مع نفسه بهذه الزبونة اللافتة في منطقها وسرح بخياله في تمنطقها بحزام الفضة، وعنايتها بكحلتها، وحرصها على وضع الشرشف على فمها وهي تتحدث معه، ولوكها بغنج لبانا شحريا. وكلما هبطت للسوق يطرّف لها الأغلى من بضاعته، مردداً «والله أن رأس مالها عشرة لكن عساها فداك بخمسة»، وعندما وثق أنها تبادله ذات الشعور، تسامح معها في السداد بل نسي المطالبة بما يستحقه في ذمتها. لقط زجاج مرآة مكسورة بجواره وتطلع لوجهه. قرر أن يعيد ترتيب ملامحه، فمرّ على الخياط، وقال «أبغي لي ثوب ستن بأكمام مكفوفة، وسروال حجازي طويل مطرّز، وصديرية» وطلب من جاره أبو منشار «يشرّبه» فيما مرّ بدكان سعيد العطار وأخذ منه قتم لصبغ البياض، وأخذ له مكحلة، وعاد للمنزل وبدأ يشتغل على تجميل ما أمكن. كانت زوجته تتابع ما يفعل وتسأله «وشبك قمت تتصيبى وأنته ما بقي من أندادك ند»؟ فيرد عليها «أطرمي»، ويرفع الصوت بالغناء بطرق الجبل «الشيب ما هو عيب يا معذرب الشيب، الشايب اللي ما احتفى بالحبايب» وترد عليه بطرق اللعب «يا اللي انتصف عمرك وعدّيت الشبا، وش ينبغى بالعمر لا مات أوّله». في إحدى صباحات السوق كان منتشياً، ومتأنقاً، وعينه على مدخل السوق. دعاه جاره جبران لتناول الإفطار مع مجموعة تجار، وأثناء الحديث عن النساء، بدأ يزفر، ولم يتمالك نفسه فباح لرفاقته بالعشق الذي تولى قلبه، وطلب فزعتهم معه في إقناعها بالزواج، فتعالت الضحكات، وقال جبران: يا حليلك يا مخلوق. هذي لها سنة تأخذ مني لحمة وما تسدد إلا بمعسول الكلام، والله ما شفت منها ريال. فقال بائع البن والقهوة: ومن سمعك يا جبران والله ما بلت حفافي بنص ريال، وكل أسبوع تقضي بن وحوائج. اقتنع أبو مشاري أنها سيدة ينطبق عليها المثل (إذا كنت جمّالاً واعد عشرة). رأس الدور وهي تقف على رأسه، قالت: باح الخير. ردّ بغضب «باح عقلك». تعالت الأصوات. والتمت أمة لا إله إلا الله. علمي وسلامتكم.