بادئ ذي بدء أبارك للصديق العزيز صالح التركي الثقة الملكية بتعيينه أميناً لمحافظة جدة، فهو برأيي الشخصي الرجل المناسب في المكان المناسب، لكن ذاكرتي تأبى إلا أن تفتح صندوق الذكريات حول هذا الرجل، الذي استقبل قبل سنوات عندما كان يرأس مجلس إدارة غرفة جدة سهام وضربات الصحوة بصدر عارٍ، وطاردته حينها الأكاذيب والاتهامات القاسية التي وقف خلفها بكل انتشاء مرجفو ذلك التيار الظلامي إضافة لبعض المتنفعين منهم، ما أدى به إلى الانكفاء على أعماله الخاصة والانسحاب بهدوء من المشهد العام. أقول هذا اليوم لأنني أدرك تماماً أن ذاكرة كثير من الناس الطيبين في هذا الوطن قصيرة المدى، وأن الكثير من الشبان الذين شاءت لهم الأقدار أن يبدأوا حياتهم العملية مع انطلاق رؤية 2030 لم يشهدوا لحسن حظهم معارك التركي مع الصحوة السوداء، ولألفت البعض إلى مدى جدية حديث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العام الماضي في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار»، والذي قال فيه: «نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه قبل عام 1979، إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب»، مضيفاً: «70% من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سندمرها اليوم وفوراً.... السعودية لم تكن كذلك قبل 1979... انتشر موضوع الصحوة بعد عام 1979، لأسباب كبيرة لا مجال لذكرها اليوم في حلقة النقاش». عودة التركي إلى المشهد العام والخدمة الرسمية للوطن في رأي كثير من المتابعين ليست سوى شهادة تأكيد جديدة على وفاة الصحوة، فهو الرجل الذي اتهمه خصومه وحاسدوه بأنه عراب ما وصفوه ب«التغريب» في جدة خلال العقد الماضي، جاء هذا الاتهام لمجرد أنه كان يُشرف على منتدى جدة الاقتصادي الدولي ويسعى بكل جدية لإيجاد فرص وظيفية للسعوديات تكفل لهن حياة كريمة، وقد قال هو نفسه في لقاء صحفي أجراه معه الصديق تركي الدخيل عام 2009، ما نصه: «إذا كان هناك من يرى أن في هذا التوجه نوعا من التغريب لا يتوافق مع المجتمع المحافظ فأنا على استعداد تام لتأسيس (جمعية لمحاربة توظيف المرأة) بشرط أن يأتي المعارضون بخزينة توفر مرتبات للمرأة التي ترغب بالعمل بسبب الاحتياج، فننفق عليها دون أن تعمل، لأنه لا يمكن أن تلقى علينا محاضرة حول مخاطر عمل المرأة دون أن تمنحنا الحل البديل، فهناك سيدات لا يملكن المال اللازم لتسديد إيجار منازلهن التي تؤويهن». اليوم طويت تلك الصفحات، وعاد التركي إلى المشهد من بوابة العمل الحكومي، وكل ما أتمناه له كصديق أن يثبت لقيادته ولمجتمعه أنه قادر حقاً على تلبية طموحات المرحلة، وألا يخذل من يراهنون على نجاحه في ما كُلف به، فالعهد الذي بيننا وبينه من الآن خدمة الوطن والمواطن ومحاربة المخالفات وتعزيز قوة النظام، وإلا فنحن خصومه الجدد بعد الصحوة. * كاتب سعودي