تضاهي «العلا» بحضارتها الموغلة في القدم أعرق حضارات الأرض على مر العصور والأزمنة، وتصنف على أنها كنز تراثي عميق في التاريخ يعود إلى 4000 سنة منذ عصر الحضارة النبطية، احتضنت حضارات دول عظيمة سادت ثم بادت وبقيت آثارها شاهدة عليها حتى يومنا هذا، على رأسها حضارة قوم ثمود ومدائن صالح والحجر وغيرها، الأمر الذي جعلها مرتكزاً لاهتمام القائمين على تطوير سياحة الآثار السعودية اتساقاً مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، الرامية في أحد أهدافها، إلى استثمار هذا الجانب في تحقيق موارد هائلة وحماية تاريخ الحضارات القديمة التي تحتضنها المملكة، والتي ظلت شاهدة على تفاعل الحضارات العالمية وتناقل ثقافاتها منذ قرون ما قبل الميلاد. اليوم تؤمن السعودية على أن التنقيب عن كنوز التاريخ على أراضيها لا يختلف عن التنقيب عن أي كنوز أخرى، فالآثار الضاربة في القدم أضحت موئلاً يقصده العالم للاطلاع على حياة الإنسان القديمة وكيفية الحضارات السابقة التي عاش فيها، وهو ما يحقق فوائد جمة تصب في أول الأمر وآخرها لحماية التراث العالمي. تجيء دعوة السعودية للفرنسيين للتعاون والمشاركة في الكشف عن الطبيعة والتراث، من عدة منطلقات على رأسها تعزيز الحوار بين الثقافات والانفتاح على الحضارات الأخرى ضمن التزامات «رؤية المملكة 2030»، ثم دعم جانب سياحة الآثار السعودية وتعزيز فرص اكتشاف المزيد من المواقع والآثار ولاسيما ما يتعلق بالثقافة الفريدة التي تتميز بها مدينة العلا تحديداً والترويج لها، إضافة إلى الشراكة السعودية مع فرنسا في الرغبة السياسية لحماية وتعزيز التراث العالمي والبيئة، فضلاً عن دعم السياحة المستدامة والبرامج الثقافية والتعليمية والحوار المفتوح بين الثقافات، ورغبة الطرفين في التعاون لحماية المواقع التاريخية العظيمة في محافظة العلا وتطويرها والترويج لها. أولى الأمير محمد بن سلمان هذه المدينة التاريخية اهتماماً خاصاً، إيماناً منه بعمقها التاريخي وبأنها تؤوي عراقة لا تقدر بثمن، يمكن أن تدر على المملكة وعلى خزينة الدولة مكاسب غير مسبوقة، فيما لو تمت مضاعفة الاهتمام بها، ومنذ أن أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إنشاء هيئة ملكية بمحافظة العلا، بدأت عجلة التطوير ووضع الخطط الإستراتيجية لجعلها مقصداً عالمياً، وتأتي هذه اللقاءات السعودية الفرنسية في ذات السياق، بهدف تعزيز موقع العلا على خريطة السياحة العالمية على نحو فريد ونوعي.