يزخر أرشيف ذاكرة العلاقات السعودية الفرنسية بصور تجسد شراكة تنمية وصداقة متينة بين البلدين، تمضي قدماً بقوة وثبات، وسجلت في مختلف الميادين خطوات رائدة وثبات، حيث تكتسب أهمية خاصة في ظل تسارع المتغيرات الدولية والإقليمية، لا سيما البعد السياسي، مما يتطلب تبادل الآراء وتنسيق المواقف بين المملكة العربية السعودية والدول الصديقة التي تتبوأ فيها فرنسا موقعاً متميزاً. وتهدف سياسة البلدين الصديقين بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى الإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في العالم بشكل عام وفي المنطقة بشكل خاص. وتثبت الأحداث والتطورات في المنطقة عمق العلاقات السعودية الفرنسية من خلال التشاور المستمر بين قيادتيهما اللتين تعبران عن الارتياح التام، وتطابق وجهات النظر حيال الكثير من القضايا المشتركة والبحث لإيجاد حلول لمستجدات المشكلات في المنطقة. وتشهد العلاقات السعودية الفرنسية التي بدأت بوادرها عام 1926 عندما أرسلت فرنسا قنصلاً مكلفاً بالأعمال الفرنسية لدى المملكة، ثم أنشأت بعثة دبلوماسية في جدة عام 1932 م ، وتوالت خطوات إرساء العلاقات حيث دخلت مرحلة جديدة ومتميزة عقب زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز لفرنسا عام 1967 ولقائه الرئيس الفرنسي شارل ديغول، مثلت تلك الزيارة دعما وتطورا مستمرا ليشمل مجالات أرحب بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين. وجرى خلال تلك الفترة المديدة من تاريخ العلاقات تبادل الزيارات بين قيادات البلدين ، وكبار المسؤولين فيهما ، مما شكلت حلقات في سلسلة توثيق وتطوير العلاقات بين المملكة وفرنسا وتنسيق الجهود بما يعود بالمصالح المشتركة ، على المنطقة والشعبين الصديقين. وفي عام 1986م افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان أميراً لمنطقة الرياض، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، معرض المملكة بين الأمس واليوم في باريس، تعرف الزائرون من خلاله على ماضي المملكة وتقاليدها وقيمها الدينية والحضارية ونموها الحديث ومنجزاتها العملاقة. وزار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في 29 / 4 / 1997م، فرنسا التقى خلالها الرئيس جاك شيراك، ووقع مع عمدة باريس جان لييري ميثاق تعاون وصداقة بين مدينتي الرياضوباريس ، والتقى عددا من كبار المسؤولين الفرنسيين. وفي 5 مايو 2015م، حضر الرئيس فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية السابق افتتاح أعمال الاجتماع التشاوري الخامس عشر لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض، حيث يدعى للمرة الأولى رئيس دولة أجنبية لحضوره تقديرا من المملكة لفرنسا. وتُبرز الزيارات المتبادلة بين المسؤولين العسكريين والأمنيين في البلدين تقارب وجهات النظر السياسية وتعزيز التعاون الأمني والعسكري بينهما، ويتمثل التعاون في هذا المجال في التدريب الأمني وتسليح القوات البرية والبحرية والجوية في المملكة ، حيث وقعت المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا في عام 1429ه اتفاقية أمنية في مجال قوى الأمن والدفاع. وتظهر الزيارة التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى فرنسا، كألماسة في عِقد ثمين تطرز فيه العلاقات السعودية الفرنسية ، مواصلةً توطيدها في مختلف المجالات وبما تشهده المملكة من تغيرات تصحيحية وتطويرية ولتعزيز آفاق التعاون التجاري والاستثماري والتقني بين البلدين في عدد من البرامج المشتركة والمشروعات التنموية وفق رؤية المملكة 2030، وفي مجالات الشراكة الاستثمارية القائمة، وتنويع القاعدة الاقتصادية. وكان لولي العهد عدد من الزيارات السابقة للجمهورية الفرنسية ولقاءات مع كبار المسؤولين في فرنسا أو في المملكة ، ففي 23 جمادى الآخرة 1436ه التقى الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في الرياض وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وتسلم في 2 رجب 1436ه رسالة من وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، فيما التقى في 16 رجب 1436ه بقصر الدرعية للمؤتمرات بالرياض الرئيس فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية. وفي 7 رمضان 1436 ه ، اجتمع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في العاصمة الفرنسية مع وزير الشؤون الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ، وفي ذات اليوم رأس الأمير محمد بن سلمان المشرف على اللجنة التنسيقية الدائمة السعودية الفرنسية اجتماع اللجنة الأول بالعاصمة الفرنسية باريس، فيما رأس الجانب الفرنسي وزير الشؤون الخارجية لوران فابيوس. كما شهد في 7 رمضان 1436 ه مع الرئيس فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية في قصر الإليزيه بالعاصمة الفرنسية، مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات بين المملكة وفرنسا، والتقى وزير الدفاع واستقبل السفير الفرنسي لدى المملكة. وعقد في 28 ذي الحجة 1436 ه، في الرياض اجتماعاً موسعاً مع وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان، بحثا خلاله أوجه التعاون بين البلدين خاصة في الجانب الدفاعي. وفي 22 رمضان 1437 ه، استقبل الرئيس فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية، في قصر الاليزيه، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ، استمراراً لاستعراض العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين والشراكة الاستراتيجية القائمة، ومواصلة تطوير التعاون في إطار رؤية المملكة العربية السعودية 2030. وفي نفس اليوم، عقد ولي العهد ورئيس الوزراء الفرنسي ايمانويل فالس اجتماعاً في العاصمة الفرنسية باريس، بحثا خلاله أوجه التعاون القائم بين البلدين الصديقين، والسبل الكفيلة بتطويرها في مختلف المجالات. كما التقى وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت بمقر وزارة الخارجية في باريس، لاستعراض تطورات الأحداث في المنطقة، وعدد من المسائل المتعلقة بتقوية الشراكة بين البلدين الصديقين. وفي 23 رمضان 1437 ه ، التقى الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، خلال زيارته باريس، رئيسة لجنة الصداقة الخليجية الفرنسية بالبرلمان الفرنسي نتالي قولي ،كما التقى رئيس مجموعة الصداقة السعودية الفرنسية بالبرلمان الفرنسي أوليفيه داسو، وتناولا علاقات الصداقة القائمة ومواصلة تقويتها لما فيه المصلحة المشتركة بين البلدين والشعبين، وزار مقر منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" في باريس. واجتمع ولي العهد مع المديرة العامة لمنظمة "اليونسكو" أرينا بوكوفا وكبار المسؤولين في المنظمة، من أجل استعراض البرامج الثقافية السعودية في اليونسكو وتطوير التعاون مع المملكة بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030. كما التقى ولي العهد في باريس ذلك اليوم، رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية كلود برتلون، ورئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية الفرنسية اليزابيث قيقو، حيث تم التأكيد على متانة العلاقات المميزة بين البلدين والشعبين الصديقين. وفي 16 صفر 1438 ه، التقى الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في الرياض رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة تاليس الفرنسية باتريك كاين، وتطرقا إلى رؤية المملكة 2030 في جوانبها الصناعية خاصة توطين الصناعات العسكرية، وما تتطلع إليه الرؤية في مجالات الأنظمة التقنية والتدريبية والخدمات المساندة. وتربط المملكة العربية السعودية مع الجمهورية الفرنسية علاقات مميزة في مختلف المجالات، حيث شهد شهر شعبان عام 1431 ه افتتاح معرض ( روائع آثار المملكة ) في متحف اللوفر الذي استمر شهرين. كما أقيمت في جمادى الأولى 1433ه فعاليات الأيام الثقافية السعودية في مقر اليونيسكو بباريس، التي تحكي سيرة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها، والنهضة الثقافية والعلمية التي تطورت في المملكة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. وتعد جمهورية فرنسا من الدول المستهدفة في الخطة الترويجية للهيئة العامة للاستثمار، حيث تأتي فرنسا في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث رصيد التدفقات الاستثمارية التي استقطبتها المملكة بإجمالي استثمارات تتجاوز 15 مليار دولار، موزعة على 70 شركة فرنسية تستثمر حاليا في المملكة. ويعد منتدى فرص الأعمال السعودي الفرنسي الأول أكبر تجمع اقتصادي سعودي - فرنسي يهتم بالشؤون الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين البلدين، ويشارك فيه مجموعة من كبار المسؤولين في البلدين، بالإضافة إلى عدد من المستثمرين ورجال الأعمال وكبار مسؤولي الشركات، ويتناول فيه الجانبان تعزيز التعاون في عدد من القطاعات المهمة من خلال جلسات عامة ومتخصصة تتناول الاقتصاد السعودي وقطاعات المال والصحة والطاقة المتجددة والتنمية المستدامة والنفط، والغاز، والبتروكيماويات، والنقل، والتقنية، والتنمية الحضرية، والصحة، والمياه والكهرباء، والصناعات الزراعية والبنية التحتية الصناعية.