بعد نحو 88 عاما من تأسيس المملكة التي أصبح لها اليوم وزنها وثقلها ودورها المؤثر سياسيا واقتصاديا وعلميا وعسكريا على المستويين الإقليمي والدولي، وأصبحت بمواطنيها وعلمائها وخبرائها ومثقفيها نموذجا حيا وواقعيا للتنمية والتطور والرقي والتقدم والإنجاز، الذي شمل كل مناحي الحياة، ويشهد بذلك كل المؤشرات والقياسات العالمية التي ترصد الحراك التنموي في بلادنا وما يحتويه ويحيط به من مجالات متعددة ومتنوعة. بعد 88 عاما من العمل التنموي المتصاعد والذي أنجزه المواطن والدولة، أقر مجلس الشورى «نظام حقوق كبار السن ورعايتهم»، وهو النظام الذي كما أعتقد بدأ طرحه من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية قبل عام على المهتمين بالشأن الاجتماعي لأخذ ملاحظاتهم عليه، وأقره قبل أيام مجلس الشورى بمواده الإحدى والعشرين، والتي في مجملها أشبه بمقال جميل فضفاض المعاني، يضم كلمات وجملا تظهر جزالة اللغة العربية وقوة بيانها وكثرة مفرداتها وتنوع تركيب جملها التي تسمح بالحشو البلاغي المحتوي على أشكال وأساليب رنانة من الإطناب والجناس والسجع والتورية والتشبيه، هذه المواد الإحدى والعشرين التي احتواها النظام، تحتاج إلى إجراءات عملية تتجاوز جزالة اللغة، إلى قوة التنفيذ المعتمد على التفصيل الدقيق لما يُمكن أن يُقدم لكبار السن، ومنهم المتقاعدون الذين يعاني ضعفاؤهم وذوو الدخل المتواضع منهم جحود المجتمع لهم، خصوصا الجهات التجارية والاقتصادية، ومنها البنوك التي تتعامل مع من يصل إلى الستين من عمره على أنه «منتهي الصلاحية»، ومع زيادة العمر يصبح «ميتا ورقيا».. نحن بحاجة إلى إجراءات فعلية للتعامل مع كبار السن، ومنهم المتقاعدون الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مجتمعاتهم، من خلال ما قدموه من جهد يستحقون بعده التقدير على الأقل من المجتمع وأفراده ومسؤوليه، نحن بحاجة إلى تعامل كريم مع هذه الفئة من خلال أنظمة واضحة، والتزامات محددة وحقوق معروفة معترف ومُقتنع بها، تماما كتلك التي يُقرها ويُنفذها ويعترف بها ويمارسها بكل طواعية وسعادة العالم الغربي كحق وواجب ومسؤوليات ومسلمات لا جدال حولها. ألا تعتقدون معي أننا تأخرنا 88 عاما لنقر نظاما لحقوق كبار السن ولما ير النور بعد، كما لم يتضمن أي آلية للتنفيذ أو حتى لوائح تفصيلية تناسب أهداف هذا النظام الذي نصت عليه المادة الثالثة منه، والتي تقول بأنه يهدف لخدمة كبار السن من خلال أربعة محاور وهي: تعزيز مكانتهم والحفاظ على أمنهم وسلامتهم واستقرارهم، حماية حقوقهم والمحافظة عليها، ضمان رعايتهم رعاية أسرية ومجتمعية، إشراك الجهات الحكومية والقطاع الخاص والقطاع الأهلي في تقديم البرامج والخدمات لهم. لقد تأخرنا أكثر من الكثير ومازلنا نتحدث عن مسودة نظام وأهداف لابد أن تترجم إلى ممارسة فعلية تعكس احترامنا وتقديرنا لفئة من مجتمعنا هم أجدادنا وآباؤنا وإخواننا، الذين كان لهم الفضل بعد الله فيما وصل إليه وطننا من مكانة ونمو، إذ عملوا وسهروا وكافحوا من أجل الوطن والأمة على مدار الثمانية والثمانين عاما ومن حقهم علينا وطنا ومواطنين أن نعاملهم بما يستحقونه وبما يبعدنا عن تجاهلهم وجحد ما قدموه للجميع.