المملكة حريصة على تنويع علاقاتها شرقا وغربا بحسب مصالحها الإستراتيجية، فضلا عن حرصها للاستفادة من هذه الشراكات، لإرساء الأمن والسلام في المنطقة ومنع التدخلات الإقليمية في الشؤون العربية ولجم الإرهاب وتكريس قيم الإسلام الوسطي. وحينما يتحرك ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان إلى بريطانيا اليوم (الأربعاء)، فإنه يتجه للعمق الغربي لتعزيز الشراكة الطويلة الأمد القائمة بين المملكتين «السعودية وبريطانيا»،الأمر الذي يعزز الشعور بوجود تاريخ مشترك من متانة العلاقات السعودية البريطانية، خصوصا أن الرياض هي أكبر شريك اقتصادي للمملكة المتحدة في الشرق الأوسط، في حين أن المملكة المتحدة هي ثاني أكبر مستثمر أجنبي في السعودية. لقد تجاوزت العلاقات السعودية البريطانية مراحل الاختبار، وهناك رغبة حقيقية من لندن في دعم برنامج الشراكة السعودية وجذب استثمارات وفق الرؤية 2030، خصوصا أن لندن تبحث عن تحالفات اقتصادية وتجارية جديدة للتعامل مع مرحلة ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي وعليها الاستفادة من الإمكانات للاستثمارات السعودية، لخلق زخم قوي للاقتصاد البريطاني، فيما ترغب الرياض بشكل جدي في تقوية علاقاتها مع لندن في مرحلة ما بعد الاعتماد على النفط، وإعطاء دفعة قوية للرؤية الإستراتيجية 2030، كي تكون منطلقا لتحالفات طويلة المدى، فضلا عن إيجاد حلول عادلة وشاملة لأزمات الشرق الأوسط، إضافة للتصدي للأعمال العدوانية للنظام الإيراني في المنطقة. ّوبحسب مراقبين بريطانيين فإن (10 دواننغ ستريت) (مكتب رئيسة الوزراء البريطانية) حريص جدا على المدى القصير على البحث عن شركاء وحلفاء تاريخيين يمكن الوثوق بهم، ولن يجدوا شريكا أكثر وثوقا من السعودية، باعتبارها الشريك التجاري الأكبر لبريطانيا في الشرق الأوسط، مع بلوغ الصادرات البريطانية إلى المملكة في العام 2015 نحو 8 مليارات دولار، وترغب لندن في زيادتها لتعويض حجم خسائرها من «بريكست». وجاءت تصريحات ولي العهد في مقابلة له نشرتها صحيفة «التليغراف» البريطانية مساء أمس الأول (الإثنين) التي قال فيها «نريد مكافحة الإرهاب ونريد مكافحة التطرف لأننا بحاجة إلى بناء الاستقرار في الشرق الأوسط، وأن الشعبين البريطاني والسعودي، إلى جانب بقية العالم، سيكونان أكثر أمنا إذا كان لديكم علاقة قوية مع السعودية»، فيما أشار وزير الخارجية البريطاني جونسون على أهمية التعاون الدفاعي بين البلدين في مواجهة مقاتلي «داعش»، وكثقل دبلوماسي موازن لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، الأمر الذي يعكس حرص بريطانيا على تقوية الشراكة مع الحليف السعودي، فضلا عن رغبتها في فتح آفاق الشراكة التجارية وتدشين سلسلة من الاستثمارات مع شركات القطاع الخاص السعودية. وتحدث ولي العهد أيضا عن خطته حول تحويل السعودية إلى اقتصاد يعتمد على السوق وأقل اعتمادا على النفط «مؤكدا أنه ستكون هناك فرص كبيرة لبريطانيا نتيجة لرؤية 2030». ونجحت السعودية التي قامت بزيادة استثماراتها الخارجية ضمن خطة إصلاح اقتصادي طموحة ضمن «رؤية 2030» التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد، والانتقال بسلاسة إلى مرحلة عدم الاعتماد على النفط من خلال فتح آفاق الشراكات والتحالفات مع الشرق والغرب. وعندما يصل الأمير محمد بن سلمان إلى لندن في أول زيارة له منذ تقلده منصب ولي العهد فإنه يحمل رسالة السلام والتسامح والوسطية للشعب البريطاني. إن السياسة التي ينتهجها ولي العهد تؤكد مدى إدراكه بتراجع النفط في عالم يتجه للطاقة النظيفة، وحرصه على الانفتاح العالمي والتخلص من التطرف واتباع سياسة الاعتدال والانفتاح، إضافة إلى مواجهة الإرهاب الذي تتبناه إيران وميليشياتها في الشرق الأوسط.«10 downing» يتأهب.. محمد بن سلمان في بريطانيا العظمى.. المملكتان.. تجديد شراكة ما بعد النفط و«بريكست» هذا هو عنوان الزيارة.