توقعت أم كلثوم سقوط حكم الملك فاروق لأن قصره اهتز بسبب بيت في قصيدة أحمد شوقي التي غنتها «ولد الهدى» وطلب حذف البيت «الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم والغلواء»، فماذا ستقول أم كلثوم حين تعلم أن عرش أردوغان اهتز بسبب ريتويت لدراسة تاريخية. تطاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، فتذكرت مقولة «قيعان تطاول على قمم». بين عبدالله بن زايد وأردوغان أنحاز بالطبع إلى الشيخ المحترم والمحنك، لكن قبلا أسجل هنا جهل أردوغان بالتاريخ وبأقدار الرجال، فتحدث بدونية تعكس رخصه عن أجداد الشيخ عبدالله، وهنا لا بد من تذكير أردوغان بجد عبدالله بن زايد، الشيخ زايد بن خليفة، الملقب بزايد الأول وزايد الكبير. يقول الكاتب البريطاني كلود موريس: «إنه في عام 1855، برز فجأة رجل كتب له أن يصبح شخصية أسطورية، حيث اعتبر فارس وبطل الإمارات العربية في أيامه. لقد شق طريقه بنجاح، فقد عرف عنه الحكمة ورجاحة العقل، والميل إلى الحلول السلمية، وعدم اللجوء إلى تفجير الحروب أو تأجيج الصراع بين القبائل». وأضاف في كتابه (صقر الصحراء): «فعلى الرغم من مواجهته كل العوامل المثبطة التي تواجه عادة الزعماء في هذه البرية المجدبة الحارقة، شق زايد الكبير طريقه الى النجاح بعد توليه الحكم». ومن إنجازات زايد الكبير، أنه حارب القراصنة في ساحل الخليج ودحرهم، والقرصنة كانت إرهاب ذلك العصر، وعليه فزايد الأول من أبطال الحرب التاريخية على الإرهاب، ويكمل عبدالله بن زايد مسيرة جده في محاربة الإرهاب سياسيا ودبلوماسيا، أما أردوغان فأدلة دعمه للإرهاب وممارسته دامغة. تطاول أردوغان على وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد كشف الباطنية التركية، التي لها جذورها التاريخية، ضد العرب. إيرانوتركيا وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يكن نظرة متعالية ضد العرب، وكلاهما له أطماع توسعية على حساب العرب، مارست إيران أطماعها عبر الميليشيات وهي في طريقها للاندحار، ومارست تركيا أطماعها عبر ما سمي بالربيع العربي واندحرت، أي أن الفرق بين إيرانوتركيا مذهبي وطائفي لا أكثر، والفرق بينهما وبين إسرائيل الدين. الخلافة العثمانية قدمت إسهامات إيجابية، لكن أصابها من جهة الوهن والجمود، ومن جهة أخرى أصابها عارض نقيض، جنون العظمة، فتحولت من خلافة للمسلمين، إلى خلافة تركية عنصرية وإرهابية أقل جرائمها سياسة التتريك، التي قدم العرب دماءهم وأرواحهم لدحرها، ونجحوا. أردوغان اختصر تاريخ العثمانيين في شخصه، فبدأ بداية ممتازة في تركيا، ثم أصيب بالجمود وجنون العظمة، فتسلط على الأتراك، ودعم إرهاب الإخوان وداعش، وارتكب المجازر بحق الكرد، وأراد ابتلاع المنطقة، وغطى ذلك بشعبويته وكذبه. عبدالله بن زايد شخص محترم ومثقف وخلوق ومتواضع وصادق ومنجز، والأهم انحيازه لقيم العدل والحق والجمال، وأردوغان عكس كل ذلك. وقد صرح أردوغان مؤخرا أيضا: «إذا ضاعت القدس، ضاعت المدينة، وإذا ضاعت المدينة، ضاعت مكة، وإذا ضاعت مكة خسرنا الكعبة». بهذا التصريح، يغطي أردوغان على النتائج الهزلية لقمته المسرحية في اسطنبول التي عقدها من أجل القدس، ماذا نجم عن القمة؟ لا شيء، ماذا تغير بعد القمة؟ لا شيء. وقرار الأممالمتحدة الذي رفض وأدان نقل واشنطن سفارتها للقدس خلفه دول الاعتدال العربي وعلى رأسهم مصر والسعودية. أردوغان أحد أكذب السياسيين الذين عرفتهم منطقة الشرق الأوسط إن لم يكن أكذبهم، حدثنا مرارا عن الخطوط الحمر في سوريا، لنكتشف دائما أنها خطوط وهمية، وما اكتشفناه في سوريا، اكتشفناه في غيرها أيضا، هل يعامل أردوغان إيران كبلد صانع وداعم للإرهاب؟ لا ولم ولن. لن أصدق أردوغان مطلقا في موضوع القدس، إلا إذا قطع علاقة بلده بإسرائيل، والمضحك المبكي أن تركيا هي أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل، وتربطهما إلى اليوم أقدم وأعمق وأوثق العلاقات، وفي كل المجالات بلا استثناء، لذلك حين يتحدث أردوغان عن القدسوفلسطين، لن يصل الفلسطينيين إلا الكلام، ولن تقوم تركيا مطلقا بقطع علاقتها مع إسرائيل. قيام أردوغان بالإشارة إلى الحرمين الشريفين، لفتة خبيثة هدفها التشويش على مكانة السعودية الدينية، وهذه محاولة رعناء مثل صاحبها، تضره ولا تخدش السعودية. الحرمان الشريفان مصونان في ظل السيادة السعودية، والرئيس محمود عباس تحدث أمام أردوغان عن مكانة فلسطينوالقدس في قلب المملكة، لكن المريح في تصريحات أردوغان عن السعودية وعبدالله بن زايد أنها كشفت مطامعه الخبيثة ومعدنه الرخيص على رؤوس الأشهاد.