أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالا، مشددا «نحن حماة الدين وسنحاسب كل متجاوز يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال ويستغل عقيدتنا لتحقيق أهدافه». وجدد الملك سلمان من منبر الشورى أمس (الأربعاء) -مفتتحا أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة للمجلس-، العزم على مواجهة الفساد بعدل وحزم، مبينا «أن المفسدين قلة، وما بدر منهم لا ينال من نزاهة مواطنينا الشرفاء». وقال إن رؤية 2030 تحمل خططا وبرامج تنموية تستهدف إعداد المملكة للمستقبل الواعد، مؤكدا السعي إلى «تطوير الحاضر وبناء المستقبل والمضي قدماً على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر بما لا يتعارض مع ثوابتنا متمسكين بالوسطية سبيلاً والاعتدال نهجاً». وتأكيدا على اهتمامه بالمواطن وتلبية حاجاته، قال الملك سلمان «وجهت الوزراء والمسؤولين لتسهيل الإجراءات وتوفير مزيد من الخدمات بجودة عالية للمواطنين والمواطنات والتوسع في عدد من البرامج التي تمس حاجاتهم الرئيسية ومن أهمها برنامج الإسكان». وجدد خادم الحرمين الشريفين التأكيد على سعي المملكة لتعزيز قيم التعايش والتسامح والتصدي للأجندات الطائفية، لافتاً إلى أن السعودية تلعب دوراً مؤثراً في المنظمات الإقليمية والدولية وتحظى بتقدير عالمي، وتعمل مع حلفائها لمواجهة التدخل في شؤون دول المنطقة وزعزعة الأمن الإقليمي، وتسعى مع المجتمع الدولي للقضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه. قال خادم الحرمين الشريفين في كلمته: إن مناسبة افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى تعني مرور خمسة وعشرين عاماً على تكوين هذا المجلس وفق نظامه الحديث، وهي سنوات أكدت فاعلية مجلس الشورى ودوره في التنمية. لقد قامت دولتكم منذ أن أسسها الملك عبدالعزيز رحمه الله على تطبيق شرع الله، والالتزام بالعقيدة الإسلامية، وتعزيز مبدأ العدل، وتسعى حكومتكم إلى تطوير الحاضر بما لا يتعارض مع ثوابت عقيدتنا وقيمنا وتقاليدنا، وترسيخ نهج الاعتدال والوسطية، ونحمد الله الذي منّ علينا بشرف خدمة بيته الحرام ومسجد رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، كما نشكره عز وجل على فضله وتوفيقه إلى النجاح المتميز لموسم حج العام الماضي، وهذا ما لمسناه من مشاعر حجاج بيت الله الحرام والمسؤولين من دول مختلفة. وأضاف: تمضي بلادكم قدماً على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر، وهذا يحقق بحول الله ما يصبو إليه الجميع من توفير سبل الحياة الكريمة، وجاءت رؤية المملكة 2030 لتعزز هذا المسار التنموي، من خلال تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل واستغلال الطاقات والثروات المتوفرة، والإمكانات المختلفة المتاحة للانتقال بالمملكة العربية السعودية لمصاف الدول المتقدمة في مختلف الميادين. وتحقيقاً لأهداف الرؤية، تم إنشاء وإعادة هيكلة بعض الوزارات والأجهزة والمؤسسات والهيئات العامة بما يتوافق مع متطلبات هذه المرحلة، كإنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية، وجهاز رئاسة أمن الدولة، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وتعديل اسم هيئة التحقيق والادعاء العام إلى (النيابة العامة) مع تعديل ارتباطها، إضافة إلى الاستمرار في تطوير مرفق القضاء، وإطلاق الإستراتيجية الجديدة لصندوق الاستثمارات العامة واستثماراته داخل المملكة وخارجها بهدف تنويع مصادر الدخل وتعزيز التنمية، وتحسين إيرادات الدولة وتقليص العجز في الموازنة العامة، وفي هذا السياق تم الإعلان عن عدة مشروعات كبرى حيوية وهامة، ومن ذلك مشروعات (القدية، والبحر الأحمر، ونيوم). وأكد: «إن الفساد بكل أنواعه وأشكاله آفة خطيرة تقوض المجتمعات وتحول دون نهضتها وتنميتها وقد عزمنا بحول الله وقوته على مواجهته بعدل وحزم لتنعم بلادنا بإذن الله بالنهضة والتنمية التي يرجوها كل مواطن، وفي هذا السياق جاء أمرنا بتشكيل لجنة عليا لقضايا الفساد برئاسة سمو ولي العهد، ونحمد الله أن هؤلاء قلة قليلة وما بدر منهم لا ينال من نزاهة مواطني هذه البلاد الطاهرة الشرفاء من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال والموظفين والعاملين على كافة المستويات وفي مختلف مواقع المسؤولية في القطاعين العام والخاص وكذلك المقيمين بها من عاملين ومستثمرين الذين نعتز ونفخر بهم ونشد على أيديهم ونتمنى لهم التوفيق». ومضى مؤكدا حرص واهتمام الحكومة على استمرارية التنمية ودعمها، مبينا أن المملكة تواصل إزالة العوائق وتشجع الاستثمار المحلي والأجنبي وتتبنى إستراتيجية التنوع الاقتصادي وتسعى لتطوير بنية اقتصادية أكثر قدرة على المنافسة، لافتا إلى إن استدامة التنمية تلبي احتياجات الجيل الحالي مع الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، موضحا أن البيانات أكدت تراجع العجز المالي حتى الربع الثالث من عام 2017 بنسبة 40 % مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي. وأشار إلى أن الدولة طورت الاستثمار في الصناعات العسكرية والتحويلية والاستهلاكية لتقليل استيراد البضائع من الخارج، إضافة إلى التوسع في الخصخصة، متوقعا أن تحقق هذه الخطوات في مجموعها إيرادات جيدة ومستدامة ترفع الكفاءة، وذلك من أجل تنويع الموارد وتوفير المزيد من فرص العمل لأبنائنا وبناتنا. وثمن الملك سلمان دور القطاع الخاص الشريك الهام في التنمية، مؤملا أن يتزايد دوره في توظيف السواعد الوطنية واستقطاب الكفاءات وتوطين التقنية وأن تعمل جهات التعليم والتدريب في الوقت نفسه على تضييق الفجوة بين احتياجات سوق العمل وبرامج التعليم والتدريب، مؤكدا الاستمرار في دعمه وتحفيزه. ومن أجل دعم وتنظيم النشاط العقاري غير الحكومي وتطويره لرفع كفاءته وتشجيع الاستثمار فيه بما يتفق مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أوضح خادم الحرمين أنه تم إنشاء الهيئة العامة للعقار لتسهم في تقديم مجموعة من الخدمات للمواطنين والمطورين والجهات ذات العلاقة، مبينا أن هذه الخطوة تعد ضمن الأهداف الإستراتيجية لرؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 في إطار تحسين أداء القطاع العقاري ورفع مساهمته في الناتج المحلي وتسهيل الإجراءات. وحرصا على توسيع قاعدة المشاركة في التنمية الوطنية، أشار إلى أن الدولة واصلت جهودها في تعزيز تمكين المرأة السعودية من المشاركة في التنمية وصناعة القرار وفقا للضوابط الشرعية، فها هي تشغل 30 مقعدا في عضوية مجلس الشورى، وحازت على الثقة ناخبة ومنتخبة في الانتخابات البلدية وتقلدت مناصب سيادية في القطاعين العام والخاص، وهي عضو فاعل في مسار التنمية الوطنية. واستطرد قائلا: «تسعى بلادكم إلى تطوير حاضرها وبناء مستقبلها والمضي قدما على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر بما لا يتعارض مع ثوابتها، متمسكين بالوسطية سبيلا والاعتدال نهجا كما أمرنا الله بذلك معتزين بقيمنا وثوابتنا، ورسالتنا للجميع أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالا ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك، فنحن إن شاء الله حماة الدين، وقد شرفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين». وعن الإرهاب قال: «تعرضت كثير من دول العالم بما فيها المملكة للأعمال الإرهابية التي روعت المجتمعات ودمرت المنشآت وراح ضحيتها الكثير من الأبرياء، وفي مواجهة هذه الظاهرة الإجرامية أسهمت حكومة المملكة في الجهود الدولية لمحارية الإرهاب وبادرت في تأسيس التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، وإنشاء مركز عالمي لمكافحة الفكر المتطرف وترسيخ مفاهيم الاعتدال والتسامح، ونتطلع إلى تعزيز وتكثيف الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب حتى يتم القضاء عليه وتجفيف منابعه». وعلى المستوى الدولي أكد خادم الحرمين أن المملكة تقوم بدور مؤثر في المحافل الدولية من خلال الأممالمتحدة، والمنظمات الإسلامية والعربية ومجموعة العشرين خدمة لمصالحها ومصالح أشقائها، والوقوف مع الحق والعدل، كما استقبلت بلادكم العديد من زعماء دول العالم وكبار المسؤولين في الدول الشقيقة والصديقة، وتمكنت خلال يومين من عقد ثلاث قمم سياسية متعددة الأطراف، وهي القمة (السعودية الأمريكية)، و(قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي والولايات المتحدةالأمريكية)، و(القمة العربية الإسلامية الأمريكية) التي ركزت على الشراكة الوثيقة بين الدول العربية والإسلامية، والولايات المتحدةالأمريكية لمواجهة التطرف والإرهاب، وتعزيز قيم ومبادئ التعايش والتسامح، إضافة إلى التصدي للأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول، ومواجهة القرصنة وحماية الملاحة، وشهدت انطلاق أول مركز عالمي لمكافحة الفكر المتطرف في الرياض. وحرصاً على تعزيز علاقات المملكة مع دول العالم، قال الملك سلمان: «قمنا بزيارة عدد من الدول الشقيقة والصديقة، ومنها: (ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي، واليابان، وجمهورية الصين الشعبية، والأردن، وروسيا الاتحادية)، بحثنا خلالها سبل تطوير العلاقات الثنائية، وتطوير الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية، إضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأثمرت هذه الزيارات عن نقلة في مسار العلاقات مع تلك الدول، ستسهم بإذن الله في خدمة المصالح المشتركة والسلام العالمي». وعن القضية الفلسطينية قال: نؤكد موقف المملكة الثابت من الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، والمملكة تعتبر القضية الفلسطينية في مقدمة اهتماماتها، وسيظل موقفها كما كان دائما مستنداً إلى ثوابت ومرتكزات تهدف إلى تحقيق السلام العادل والشامل، على أساس استرداد الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه المشروع في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية التي رحب بها المجتمع الدولي، وفي هذه المناسبة فإن المملكة تؤكد استنكارها وأسفها الشديد للقرار الأمريكي بشأن القدس لما يمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس التي كفلتها القرارات الدولية، وحظيت باعتراف وتأييد المجتمع الدولي. وبالنسبة للأزمة اليمنية أوضح: لم تكن عاصفة الحزم وإعادة الأمل خياراً لدول التحالف لدعم الشرعية في اليمن، بل كانت واجباً علينا جميعاً لنصرة إخواننا أبناء الشعب اليمني الشقيق، وما زلنا ملتزمين بدعم الشرعية في الجمهورية اليمنية لفرض سلطتها على كامل التراب اليمني، ونحن نسعى في هذا الإطار لحل سياسي في اليمن وفق قرار مجلس الأمن رقم (2216) والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ونتائج الحوار الوطني، وأن يؤدي ذلك لبدء مرحلة انتقالية تحقق الاستقرار في اليمن ومن ثم إعادة الإعمار. وشدد خادم الحرمين: «إن واجبنا تجاه العالم الإسلامي لا يقف عند حد تقديم الخدمات والتسهيلات للمسلمين الوافدين إلى بلادنا، بل إنه يتعدى ذلك إلى الاهتمام بكل قضايا المسلمين والمشكلات التي تواجههم، فالمملكة داعمة دائما للمنكوبين والمكلومين في شتى أصقاع الأرض، ومواقفها معروفة ومشهودة من قضايا المسلمين في كل مكان، ولقد أدانت المملكة العربية السعودية انتهاكات حقوق مسلمي الروهينغا وحرق مساجدهم، وقد تواصلت المملكة مع الأمين العام للأمم المتحدة، ونتج عن ذلك إدانة فورية من قبل الأممالمتحدة، كما دعت المملكة إلى طرح قرار أممي يدين تلك الانتهاكات». وأضاف: «لا يخفى عليكم أن منطقتنا العربية تمر بمرحلة خطيرة تتعدد فيها الصراعات والأزمات، الأمر الذي يستوجب اليقظة والحذر لكل ما يحاك ضد أمننا واستقرارنا، وفي هذا المجال نعمل مع حلفائنا لمواجهة نزعة التدخل في شؤون دول المنطقة وتأجيج الفتن الطائفية، وزعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين، ودعم الإرهاب». وعلى المستوى الدولي قال: «إننا جزء من هذا العالم وعضو فاعل في الأسرة الدولية، وتشارك المملكة بفاعلية في مجال التنمية الدولية، والإغاثة الإنسانية، وقد قامت المملكة بجهود ظاهرة في هذه الجوانب وبخاصة الجانب الإنساني بما تقدمه من دعم وإسهام في التخفيف من معاناة المحتاجين، جراء الكوارث الطبيعية، أو بسبب الحروب، وذلك من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، فكانت المملكة محل تقدير الدول والمنظمات والهيئات الإنسانية بما تقدمه من مساعدات للشعوب المحتاجة في أوقات الكوارث والمحن». وكان في استقبال خادم الحرمين الشريفين لدى وصوله إلى مقر مجلس الشورى، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز، وأمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ونائب أمير منطقة الرياض الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز، ووزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، ومفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ورئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ، وكبار المسؤولين في مجلس الشورى ورؤساء اللجان. وفور وصول خادم الحرمين الشريفين، عزف السلام الملكي، وبعد أن أخذ مكانه في المنصة الرئيسة بدئت الحفلة الخطابية بتلاوة آيات من القرآن الكريم. بعد ذلك التقطت الصور التذكارية لخادم الحرمين الشريفين مع أعضاء مجلس الشورى، ثم صافح رعاه الله أعضاء المجلس. مشاهدات التنظيم كان جيداً. حضور كبير لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. حضور عدد من الزملاء الإعلاميين في وسائل الإعلام الإلكتروني. حضور عدد كبير من الضيوف من السفراء والدبلوماسيين. كلمة خادم الحرمين الشريفين بشأن مكافحة الفساد كان لها صدى مؤثر وجميل لدى الحضور. شهدت الحفلة حضور عدد من الوزراء وضيوف مجلس الشورى. عدد من الدبلوماسيين والسفراء كانوا عند بوابة الخروج والتقطوا الصور التذكارية مع عدد من الأمراء والمسؤولين. انسيابية كبيرة للدخول والخروج من مجلس الشورى. لوحظ غياب كرم الضيافة من مجلس الشورى للإعلاميين، إذ لم يقدم لهم إلا الماء، رغم وجودهم منذ أكثر من 4 ساعات قبل بداية الحفلة. حضر الحفلة مفتي عام المملكة وكذلك الشيخ عبدالله المطلق والشيخ عبدالمحسن العبيكان. الوزراء يحجمون عن التصريح للإعلاميين بعد خطاب خادم الحرمين الشريفين في مجلس الشورى أمس (الأربعاء) إيذاناً بإطلاق السنة الشورية الثانية من الدورة السابعة للمجلس، حرص الإعلاميون على الحصول على تصريحات من الوزراء حول مضامين الخطاب الملكي الشامل، إلا أنهم فوجئوا بإحجام عدد من الوزراء عن الحديث لوسائل الإعلام، مكتفين بالقول إنهم سيصدرون بيانا بهذا الشأن.