اعتاد بعض الصحفيين أن يسأل ضيفه الذي يحاوره عن كاتبه المفضل ؟ وقد تلقيت مرارا مثل هذا السؤال، وهو سؤال يحتاج الرد عليه إلى صفحات وليس إلى سطر أو سطرين. إن ما أرجحه، أن من أحلام كل كاتب، أن يكون هو الكاتب المفضل عند القراء، لكن الكتّاب يختلفون في الوسائل التي يتبعونها للحصول على تلك الصفة، فبعضهم ينافق قراءه ويتملقهم، وبعضهم يلجأ إلى دغدغة العواطف وإثارة الانفعالات، وبعضهم يلجأ إلى الإضحاك ورسم الابتسامة على الوجوه، وكل منهم يرجو إرضاء القارئ لينال الحظوة عنده فيصبح كاتبه المفضل. في ظني أن الكاتب المفضل لدى القارئ، هو الكاتب الذي يستطيع أن يشعر قارئه بقربه منه عبر ما يلمسه في كلماته من الدفء والتفاعل مع ما بداخله، فالقارئ يبحث في الكاتب عن صديق يأنس إلى حديثه، صديق يأخذه إلى كل الدروب، ويحلق به فوق كل الأنحاء مجسدا في حديثه قول: الحديث ذو شجون. ولأن الصديق لسان صديقه، فإن القارئ يتوقع من كاتبه المفضل أن يسبقه إلى النطق بما يريد، وما يفكر فيه، فيكون لسانه الذي يشكو به، وعينه التي ترنو إلى الآمال ترقبها، وقلبه الذي يخفق متفاعلا مع المشكلات التي تهمه. كما أنه أيضا يتوقع منه أن يكون مساندا ومؤازرا له في مطالبه، ومحاميا يدفع عنه ما يخيفه ويقلقه من المشكلات الاجتماعية التي تظهر بين حين وآخر تعترض دروب راحته. إضافة إلى هذا، أظن أن القارئ يتوقع من كاتبه المفضل أن يكون خزانة معلومات، يلجأ إليه كلما خانته الذاكرة أو رغب في مزيد من المعرفة، فيجد لديه الجديد مما لا يعرف، أو يعيد إلى ذاكرته بعض ما طمرته الأيام من معرفة. ويتوقع منه كذلك، أن يكون ماكنة تشغيل، تجلو من حين لآخر ما تراكم من الصدأ فوق وعيه وتعيد تشغيل ملكة التفكير لديه كلما كلت وعجزت. وبين هذا وذاك، يظل القارئ ينتظر من كاتبه أن يكون مرحا خفيفا ظله، يمزج ما يقوله بشيء من الفكاهة والظرف، كي تصير صحبته متعة تغسل غبار هموم اليوم وأكداره. إلا أن الكاتب مهما بلغت مزاياه، وطابقت صفاته رغبات قارئه، عليه أن يعي جيدا أنه لن يحظى بمكانة الكاتب المفضل لدى قارئه، ما لم ينل أولا ثقته واحترامه، وذلك لا يكون إلا متى احترم الكاتب قلمه فتقيد بالصدق، واتبع الحق، والتزم الوضوح في كل حرف يخطه، فالكاتب الذي يمتهن الكذب أو يحترف الخداع أو يتأبط النفاق، لا يمكن ولن يكون يوما كاتبا مفضلا لدى أحد. [email protected]