كتبت السياسة، بكل ما فيها من غدر وتقلبات واغتيالات، نهاية مأساوية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي قتله الرصاص الحوثي المتآمر الغادر، قبل أن يتمكن من مغادرة جحيم الاشتباكات في صنعاء إلى مسقط رأسه، سنحان (40 كلم جنوب شرقي صنعاء). وكانت قمة المأساة أنه تم تغييبه بعد إعلانه أمام مؤيديه في صنعاء فض «الشراكة» بين حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه وميليشيا العصابات الحوثية التي تريد أن تفرض المشروع الإيراني على العرب، انطلاقاً من اليمن. ولا شك في أن اغتيال صالح، الذي ظل يحكم اليمن أكثر من ثلاثة عقود، سيريق دماً غزيراً بين من يؤيدونه وأولئك الذين يعارضونه، إلا إذا تحلى أهلها بالحكمة اليمانية. والحقيقة أن تصفية صالح بتلك البشاعة، وما رافقها من تمثيل بجثته، وحرص حوثي لئيم على توزيع صورة جثته على وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات التابعة للميليشيا الإيرانية، كانت مفاجأة بكل المقاييس؛ خصوصاً أن ذلك حدث بعد ثلاثة أيام من استيقاظ ضميره على عروبة اليمن، وضرورة التخلص من عملاء المشروع الإيراني، وإدراكه أن الهيمنة الفارسية لن تتوقف عند بوابات صنعاء، بل ستزحف لتدك قلاع العروبة ومواطنها في كل العواصم العربية. حتى وإن لم تشفع «صحوة» صالح المتأخرة له لإصلاح ما أعطبته سياساته، لكنها بلا شك ستغير الواقع على الأرض وستؤثر في مستقبل الأزمة اليمنية. كانت قدرة صالح على الاستمرار في كرسي الرجل الأول في اليمن تثير دهشة كثيرين، خصوصاً أنه شارك في الثورة اليمنية، وإعلان الجمهورية، وخاض حروباً لا حصر لها، ضد الجنوبيين، وستاً منها ضد الحوثيين في معقلهم بصعدة. وكان صالح يقول دوماً إنه ليس هناك من هو قادر على حكم اليمن إلا من يجيد الرقص على رؤوس الأفاعي. وظل يتحدى من يحاولون الإطاحة بحكمه، حتى في عز الثورة ضده في عام 2011، عندما رد على المتظاهرين الذين احتشدوا في صنعاء لإرغامه على التنحي بأن «القطار قد فاتهم»! وكان صالح نجا من محاولات عدة لاغتياله، لعل أشهرها حادثة تفجير مسجد قصره الرئاسي التي نقل إثرها للعلاج في الرياض. وتحدث أعوانه في حزب المؤتمر الشعبي العام قبل يوم واحد من اغتياله عن إحباطهم محاولة قطريةإيرانية حوثية لتصفيته. ويبدو أن الأقدار لم يكتب لها النجاح إلا بعد نحو يوم من إحباطها! بيد أن تغييب صالح ليس انتصاراً يرقص له الحوثيون، لأن باغتياله فتحوا على أنفسهم أبواب جهنم وأبواب الثأر. ذلك أن المقاومة تضطرم داخل صنعاء، ولم يعد ممكناً تخويفها بفوهات البنادق والبارود، أو إغراؤها بأموال خامنئي، أو عطايا أمير قطر. كما أن القبائل، ولعلّ أبرزها حاشد وبكيل، بدأت ترتب صفوفها لتغير الواقع الذي فرضته إيران عبر أذنابها من الحوثيين. كما أن نجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح، وابن عمه العميد طارق محمد عبدالله صالح، وكلاهما عسكري، سيعلنان النفير للأخذ بثأره، وسيديران قواتهما وفق تحالفات جديدة. وعلى عبدالملك الحوثي قبل أن يتعلم الرقص على رؤوس الثعابين أن يتحسس رأسه لأن «كوبرا» المقاومة اليمنية الموحدة ستبتلعه، وستتخلى عنه إيران كما فعلت سابقاً.