إننا نقف على أعتاب مرحلة من مراحل النضال الأخلاقي لإبقاء الإنسان إنسانا.. وفي هذا النضال لا نبحث عن مثالية كاذبة وإنما البحث على قدر معقول من الأخلاقيات السوية التي تؤسس بناء روحيا بين أفراد المجتمع أي أننا في رحلة تستهدف بث الحياة الطبيعية للمجتمع بعدما ضمرت مفاصله بسبب عدم مزاولة الحياة بصورتها الطبيعية بعدما نهضنا لإزالة الرواسب التي جذبتنا إلى الأرض.. فالمجتمع استعد لأخذ الوضع الصحيح لأن يكون حيا مستغلا التغيرات الحادثة والمانحة لكل الخطى أن تحث المسير لصياغة وجودها، ومما لا شك فيه أن التغيرات الاجتماعية أيقظت الإنسان فينا وجعلتنا نفكر بإعادة صياغة الفرد إنسانيا وحضارياً وتزويده بكم نوعي معرفي لكي يقف فارزا لمعطيات الواقع المعاش، وإن كان هذا الدور دورا مؤسساتيا في واقعه الفعلي ويمهد لذلك البناء كوننا نحمل دينا جاء بمكارم الأخلاق كجوهر اهتم بتفاصيل حياة الإنسان وتسديد خطواته لما هو سامٍ.. فلا تستجلب غيرتك على الدين بفعل عدائي، أو قول بذيء أنت هنا في هذا الموضع لا تختلف عن كل معاد للأديان، إننا نستجلب العداء لديننا بسوء فهمنا لهذا الدين العظيم، وبما أننا فعليا نعيش المرحلة الآنية فليستعيد كل منّا ما سلب منه بعقل حر ودون توجهات أيدلوجية. ولو تساءلنا كيف نواجه التغيير؟ تكون الإجابة بأهمية تكوين أفكارنا الخاصة، فنحن نقايض الزمن بأفكارنا مقابل أن نكون أحرارا وما عدا ذلك هو عبودية عمياء..! والتغيير الذي نحن بصدده لا يحمل رايته أي من التيارات المتناظرة في الوقت الراهن «فكل حزب بما لديهم فرحون». وكل فريق يظن أن غايته الإنسان وجميعهم أبعد ما يكونون عن همومه الحياتية، وأزماته الإنسانية، وكل المتصارعين لجذب هذا الإنسان إنما محاولة في الاستئثار بانتصارات شخصية تدور في فلك أيدلوجي ضيق.. وكل فريق يبحث عن مجاميع عقلية موجهة إلى غايات معينة وتحت بند هذه الغايات تُستباح قيم الإنسان وترتدي البشاعة أشد أقنعتها لؤماً لتتلمس طريقاً أعوج لا يؤدي إلى شيء سوى السير في بحيرات السراب، نعم هناك أنفاس متقطعة بالإثم ضلّت طريق الحقيقة مرة باسم الدين ومرة باسم الحريات. من قال: إن الحياة والأفكار تقف على تيارين متضادين كلاهما يحاول الوقوف على أنقاض الآخر ؟ الحياة عوالم مختلفة، وأفكار متداخلة، وعلوم متنوعة، واختلافات متناثرة لا تقف على فكرتين «أكل الدهر عليهما وشرب». نعم تأخرنا عن الحياة الطبيعية مئة عام بسبب تورم الفكر الصحوي وتجذره في حياة الناس، ورغم استئصال جذور هذا الورم مازالت بقاياه تنازع الموت بعين وقحة تنذر وتتوعد باسم الله، كل من يخالف طريقها المحفوف بالمهالك وبأساليب غير أخلاقية، مستهلكةً أبشع صور العنف اللفظي، وحتى الفكر المضاد للفكر الصحوي هو فكر يناضل لإيجاد واقع طبيعي ولكنه انجرف إلى استعمال سلاح الإنكار لكل مخالف سواء كان انتماؤه الفكري للصحوة أو غير متسق مع الأفكار المبثوثة من الجهة المقابلة. هذا التشاحن أدى إلى ظهور آراء فقاعية، وانقسامات داخل النسيج الفكري للمجتمع وبدل من أن نتحلق حول فكرة الإيمان بحرية الآخر اجتمعنا على خنق وإقصاء كل فكر خاص. والحياة لا يمكن لها أن تتحرك بالفكر الأحادي.. هذا البلاء تحمله كل التيارات الفكرية المحلية حتى أولئك المدافعين عن القيم، والحريات رسبوا في امتحان الكل يفكر والكل يحاور، ولهؤلاء نقول: - ما دمتم تدركون قيمة العقل دعوا الفرد يبحث عن فكره الخاص، فكرا ينتج آراء يقدسها ويمارسها دون أن يحاول إسقاط أفكار الآخرين بأنها فاشلة.. علينا أن نؤمن بالاختلاف.. وتظل الدعوة للجميع: - اطرحوا رؤاكم بموضوعية، مع المثابرة بإثراء عوالمكم الإبداعية بما يعزز الذائقة الإنسانية ويعمل على ارتقائها.. دون أن تغمسوا أقلامكم في حروب كلامية حماسية تكون في نهاية المطاف كبوة تجرجر أذيال الهزائم الأخلاقية المنكرة.. وصناعة الإنسان كمحتوى معرفي لا تنساق مع تأطيره بفكرة أو فكرتين، فالعقل يسع العالم بأطيافه، وعلومه، واختلافاته، وأفكاره.. ولا يتحقق ذلك التوسع والانفتاح إلا من خلال فتح الأبواب الموصدة والالتقاء بجميع الأفكار ومناقشتها قبولا ورفضا وإعطاء كل إنسان مدى متعدد الأطراف والأعماق. والحياة تتدافع بالأفكار فكلما منحنا أنفسنا اتساعا معرفيا تمكننا من التفاعل ومكنا أفكارنا من التوالد كما ذهب إلى ذلك الفيلسوف هيجل وما تلاقح الأفكار إلا مادة لصناعة الغد. إن تسفيه الآراء يبقينا وقوفا على خط النار، وبهذه الهيئة لن نتقدم خطوة واحدة نحو واقع طبيعي وحقيقي تأملناه طويلاً فهل أنا بحاجة لإسداء النصيحة بالقول: - فلنتقدم خطوة، ولنساهم معاً في صياغة معنى حقيقي لمفهوم الإنسان. * كاتبة سعودية