الأزمة الحكومية المتمثلة في استقالة سعد الحريري تحولت مأزقاً سياسياً، واقتصادياً لميليشيا «حزب الله» وحلفائه في محور ممانعة. هذا المأزق دفع الحزب إلى «التقيّة السياسية» فسعد الحريري الذي كان قبل أسابيع الشيطان الأكبر، والذي هدده مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولاياتي في السراي الحكومي في بيروت تحول إلى حاجة ملحة بالنسبة ل«حزب الله» وأعوانه. فأعداء الأمس صنعوا اليوم له الصور وعلقوها على أعمدة العاصمة، مطالبين بعودته ومعه حكومته التي يسيطرون على أكثريتها. وذهبت «التقيّة السياسية» إلى أبعد حدودها مع إعلان هذا المحور تنظيم مظاهرة في ساحة الشهداء تضامناً مع سعد الحريري، وبالقرب من ضريح والده الذي اغتاله أشخاص من حزب الله وفقاً لاتهام المحكمة الدولية عام 2005. المأزق الأكبر أمام محور الممانعة هو عندما يعود سعد الحريري إلى بيروت، ليؤكد ما قاله في بيان الاستقالة من أن هيمنة حزب الله على القرار اللبناني باتت شرا مطلقا، وأن لا إمكانية للمعايشة ما بين الدولة والدويلة، وما بين السلاح الشرعي والسلاح غير الشرعي، حينها سيسقط القناع عن القناع وربما «التقيّة السياسية» ستتحول إلى منافقة سياسية عبر الادعاء أن الحريري الذي يتكلم ليس الحريري الذي يريدونه. إن حزب الله وأعوانه وبعيداً عن كل التفاصيل التي ازدحمت في الساعات القليلة الماضية، فإنه ما زال يناقش الأزمة من حيث الشكل الذي افترضه وليس من حيث الشكل الواقعي للأزمة وبعيداً عن الشكل المفترض عند «حزب الله» أو الشكل الواقعي للأزمة. فإن الأهم مناقشة مضمون استقالة الحريري لا تفاصيلها الشكلية ومضمون هذه الاستقالة يمكن اختصاره أن المسدس الذي يضعه «حزب الله» في رأس الدولة اللبنانية ومؤسساتها يجب أن يرفعه ويسلمه للسلطة اللبنانية حيث المنطق والقانون يفترضان حصريّة السلاح بيد الدولة لا تقاسمه ما بين الدولة والميليشيا التي لم يعد أذاها يقتصر على لبنان وشعبه. بل باتت ميليشيا في خدمة مشروع فارس أينما أراد هذا المشروع وفي الزمن الذي يريده أيضاً في العراق، واليمن، وسورية، والبحرين، وقبلهم في الأرجنتين، وبلغاريا، حيث القتل والإرهاب يحصل بأيد لبنانية ولكن وفقاً لتوقيت طهران.