عاشت أوروبا أكثر من 10 قرون في ظلام وجهل بسبب تسلّط الكنيسة ورجال الدين، فعندما أصبحت المسيحية هي الدين المهيمن للإمبراطورية الرومانية أثناء حكم الإمبراطور قسطنطين تسلّطت الكنيسة ورجال الدين على حياة الناس وأملاكهم، بل تجاوزت ذلك إلى عقولهم فحرّمت العلم واستخدام العقل لأنهما يعارضان الخرافات التي تنشرها الكنيسة ونظامها الكهنوتي، فأصبحت تشرّع باسم الرب وتغفر وتعاقب وتستولي على أملاك الخلائق باسمه، وعندما يعارض أحد تصرفاتها تتّهمه بالزندقة والكفر، فلا مجال لمناقشة نصوص كتابها المحرفة، ولا لتأويلاتها الفاسدة، لما لم يمسّه التحريف، فقتلت العلماء وأحرقت الكتب وجعلت من اتباعها قطيعا من الخراف، تتبع الراعي دون تفكير، وعندما ضاق الناس ذرعاً بجبروتها، وانقلبوا عليها، بدأ عصر النهضة الأوروبية حتى وصلت أوروبا إلى ما وصلت إليه الآن، ولأن التاريخ يعيد نفسه، فها نحن نستنسخ كهنوتية الكنيسة، بمسمى جديد هو الصحوة، وهي النبتة التي غرس بذرتها تنظيم الإخوان في ستينات القرن الميلادي الماضي، مستغلّين حب الشعب السعودي الفطري للإسلام والمسلمين، ومتلبّسين بلبوس المظلومية من النظام الناصري في مصر، وما أن استقرّوا عندنا، حتى بدأوا مشروعهم مستغلّين غيرة العربي المسلم التي يشتهر بها المواطن السعودي، فكان من أول ما قاموا به، تجهيل المرأة ومحاربة تعليمها حتى يتمكنوا من السيطرة على الأجيال اللاحقة لأن المرأة كما قال الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها ** أعددت شعبا طيب الأعراق فإذا جهلت المرأة، أصبح الطفل كالعجينة في يد المدرس الذي يشكّله كيفما شاء، وحتى يكتمل مشروعهم، تغلغلوا في التعليم وسيطروا عليه، أنبتت بذرتهم نبتة جميلة المظهر في البداية، ولكنها أخرجت أشواكها في تسعينات القرن الميلادي الماضي، فبدأت تغرس أشواكها في كل يد تحاول أن تقطف علما، أو تبني صرحا وتتذرع بالقاعدة الفقهية «سد الذرائع ودرء المفاسد مقدّم على جلب المصالح»، فأصبحت تشرّع من دون الله، وتنسب كل ما تفعله زورا وبهتانا للدين الإسلامي، بينما الحقيقة أن شرعها قائم على تحقيق مصالح شخصية أو حزبية، وأثبتت الأيام ذلك، فكم سمعنا من عبارات الشتم والتخوين التي أطلقها رواد الصحوة للقنوات الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية ووصف متابعيها بالزنادقة وعديمي الغيرة على الدين، ثم ما لبثنا أن رأيناهم يتسابقون للظهور على صفحاتها أو شاشاتها، وكم أزعجونا بموضوع التغريب، وأن الابتعاث من ركائز هذا المشروع، وها نحن نرى أبناءهم وبناتهم يتمتعون ببرامج الابتعاث في كل مكان، وحتى لا تنكشف ألاعيبهم ويبدأ الناس في التساؤل عن تناقضاتهم استخدموا مقولة الحافظ ابن عساكر رحمه الله «لحوم العلماء مسمومة»، ليكسبوا بها قدسية وعصمة، ولتكتمل بذلك الكهنوتية بأبشع صورها، متناسين أن الإسلام حرّم الغيبة في حق كل أحد، وفي نفس الوقت أوجب التحذير من أهل البدع والضلال والأهواء وعدّ ذلك من النصيحة. وأحسن عرّاب النهضة وقائد الرؤية الأمير محمد بن سلمان عندما قال إننا سنعود لما قبل الصحوة، فكم نحن بحاجة إلى استعادة ديننا المخطوف، وهدم الكهنوتية على رؤوس مبتدعيها، فديننا ثابت القيم والمبادئ قادر على بناء الحضارات العظيمة.