حققت السياسة الخارجية السعودية خلال الأيام الأربعة الماضية اختراقا إيجابيا على المستوى السياسي والدفاعي والاستثماري والاقتصادي في الشراكة الإستراتيجية بين الرياضوموسكو، وتمثل هذا الاختراق في الدخول في تحالفات استثمارية بالبلايين من الدولارات، إلى جانب التوقيع على اتفاقيات عسكرية غير مسبوقة لامتلاك السعودية أحدث المنظومات الدفاعية في العالم، بشراء نظام «إس-400» الروسي للدفاع الجوي، وتزامن ذلك مع موافقة الخارجية الأمريكية على صفقة لبيع نظام «ثاد» الدفاعي الصاروخي. ولم تقتصر نتائج الزيارة الملكية الأولى لروسيا بعد عقود من الزمن على تعزيز جوانب الشراكة، بل ستساهم في إعادة التوازنات الجيوستراتيجية، وستكون بمثابة «جلاسنوست» إعادة بناء المنطقة، وإيجاد حلول عادلة وشاملة لقضاياها وفق قرارات الشرعية الدولية، وفي الوقت نفسه التصدي للعدوانية الإيرانية ومنع تدخلاتها في شؤون المنطقة، خصوصا أن الكرملين أصبح لديه الرؤية الكاملة لطبيعة الدور الإيراني الطائفي بعد اطلاعه على نصف الكوب الممتلئ من الجانب السعودي، فيما كان في الماضي مكتفيا بالاطلاع على النصف الفارغ من النظام الإيراني. زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا دشنت نقلة نوعية في العلاقات، وأرست الأطر القانونية المعززة للشراكة المستقبلية، خدمة مصالح المملكة وأمن واستقرار المنطقة. لقد استكملت التوازنات الدولية المطلوبة لسياسة السعودية الخارجية بزيارة روسيا مع تعزيز العلاقات السعودية مع دول الغرب، باعتبار أن روسيا شريك مهم في التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط والعالم، وأن الشراكة معها من شأنها تعزيز موقع السعودية في المحيط العالمي، وتخفيف التوترات الإقليمية وإيجاد حلول لقضايا المنطقة، ووضع حد لتدخلات إيران وهيمنتها على المنطقة، إذ من المؤكد أن تلعب روسيا دورا إيجابيا مختلفا في المرحلة القادمة حيال الأزمة السورية والملف الإيراني. ورغم أن ما قد يظهر للعلن أن السعودية وروسيا خصمان، لكن الحقائق والوقائع أثبتت أنهما ليسا كذلك على الإطلاق، وأن التوافق والتقارب والشراكة والتحالف هي التي تسود، خصوصا أن موسكو ترى في زيارة الملك سلمان فرصة لفتح أبواب المنطقة أمام روسيا، وتدرك أن الرياض هي «حارس بوابة الشرق الأوسط». والمملكة تنتظر من روسيا تغييرا في مواقفها، وبالأخص في سورية، لأن موسكو مدركة أن الرياض لن تتغاضى عن أي جريمة تم ارتكابها في حق الشعب السوري، لكن يبدو أن الدولتين أدركتا أن وقت تضميد جراح سورية قد حان، واختصار زمن المعاناة، والعمل سويا ضمن منظومة واحدة للم الشمل السوري وفق مبادئ جنيف. الكتابة عن نتائج الزيارة تحتاج لصفحات، ويمكن اختصارها في أن الزيارة نجحت في منع التدخلات، وإيجاد حلول للنزاعات، وإنشاء تحالفات استثمارية نفطية، وتوطين الأسلحة في السعودية. السعودية وروسيا.. شراكة القرن.. إنها «جلاسنوست» جديدة في المنطقة لمصلحة تحقيق الأمن والاستقرار ولجم الإرهاب ومنع نشر الفوضى والطائفية.