عاش السعوديون يوم الأربعاء الماضي يوماً استثنائياً مشهوداً؛ أجزم بأنه سيبقى طويلاً في الذاكرة الجمعية الوطنية لعقود عديدة قادمة، ذلك اليوم أصبح نقطة تحوُّل كبرى؛ ستنقل البلاد لحقبة جديدة تكون فيها أكثر قدرة على مواجهة التحديات وتنفيذ الاستحقاقات، لذلك فلم يكن مستغرباً حرص المواطنين على التعبير عن سعادتهم الغامرة وتفاؤلهم بالمستقبل وهم يستقبلون بترحاب كبير الأمر الملكي الكريم بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، ذلك التعيين زاد من اطمئنان السعوديين بأن بلادهم تسير بثبات في الطريق الصحيح تجاه تحقيق طموحاتهم المشروعة والمدعومة برؤيتهم الوطنية التي كان لسمو ولي العهد الجديد فضل إطلاقها بعد أن كان هو فارسها وعرّابها. وكان لا فتاً أن أوّل المبايعين لسمو ولي العهد هو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق في مشهد مؤثر؛ حفل بكل معاني الأخوّة والتقدير، واختزل تلاحم الأسرة الحاكمة واجتماع كلمتها ووحدة صفها، ومما زاد من تأثير مشهد البيعة الشرعية الذي تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعربية، كونه جرى في أقدس بقاع الأرض مكةالمكرمة؛ بجوار بيت الله الحرام وفي أفضل ليالي الشهر الفضيل، وقد انطوى المشهد على مضامين هامة سأتطرق إليها بالتفصيل لاحقاً؛ من أبرزها سلاسة انتقال السلطة في المملكة، وتفنيد الشائعات المغرضة التي طالما حاول المتآمرون ترويجها عن وجود انقسامات أو اختلافات داخل بيت الحكم. وبصدور الأمر الملكي أصبحت المملكة على أعتاب عهد جديد يقوده شباب الجيل الثالث من أبناء الأسرة المالكة الكريمة، يتقدمهم سمو ولي العهد الذي أصبح تعيينه للمنصب حدثاً تاريخياً بعد أن أيّدت القرار وباركت الاختيار الغالبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة الممثلين لبيت الحكم السعودي؛ في سابقة هي الأولى من نوعها منذ تشكيل الهيئة، قبل أن تتوافد جموع المواطنين بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم ومواقعهم على قصر الصفا لتبايع سمو ولي العهد في المنشط والمكره وتدين له بالطاعة والولاء في مشهد مهيب عكس ثقتهم في شخص الأمير محمد بن سلمان الذي عكست تصرفاته التلقائية خلال المبايعة كل معاني النُبْل والتقدير لأفراد الأسرة المالكة الأكبر سناً وأصحاب الفضيلة العلماء. ولو شئنا التمعُّن أكثر في مضامين الأمر الملكي القاضي بتعيين سمو ولي العهد، وردود الأفعال الإيجابية التي عبّر عنها المواطنون عبر مختلف وسائل التواصل، فسوف تستوقفنا الكثير من الدلالات والمعاني التي يمكنني تلخيص أهمها فيما يلي: 1. حنكة وحكمة الملك سلمان وقدراته الإدارية الفذة؛ إذ أدرك بثاقب بصيرته حاجة الدولة لتجديد دمائها بتعيين قيادات شابة من أبناء بيت الحكم، في مختلف مواقع المسؤولية بكافة مفاصل الدولة؛ متسلحين بالعلم والخبرة الملائمة والمعرفة بالمتغيرات المحلية والدولية. 2. تماسك ووحدة الأسرة المالكة الكريمة، وإدراك هيئة البيعة لطبيعة التحديات التي تواجهها البلاد والتي تتطلب تأييد خيارات ولي الأمر ومؤازرة قراراته الجريئة والحازمة التي تستهدف نقل البلاد لمرحلة جديدة؛ تختلف مقوماتها واحتياجاتها عن السابق. 3. التقدير الكبير الذي يُكنُّه السعوديون لولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف الذي بارك لأخيه ولي العهد الجديد منصبه الرفيع، ما أرسل للعالم رسالة هامة تعكس التقاليد العريقة لبيت الحكم السعودي. 4. تمتع الأمير محمد بن سلمان بكافة الخبرات السياسية والصفات القيادية التي تؤهله لقيادة الدولة مستقبلاً بعد أن أثبت خلال العامين الماضيين قدرات فائقة في كافة شؤون الحكم؛ إثر ملازمته لوالده الملك، واكتسابه منه الخبرة وبعد النظر. 5. حرص السعوديين على استكمال برنامج التحول الوطني الذي أطلقه سمو ولي العهد ووجدوا فيه الحل الأمثل والمخرج الآمن من استمرار اعتماد الدولة على دخل النفط المتذبذب، وثقتهم بقدرة الأمير محمد بن سلمان على إكمال ذلك البرنامج الطموح بنجاح. 6. تعدُّد وعِظَم التحديات والاستحقاقات التي تواجهها المملكة سياسيا واقتصادياً وعسكرياً، وضرورة استمرار السياسات والتوجهات التي تم اتخاذها في العامين الماضيين بعد أن أثبتت كفاءتها وقدرتها على مواجهة تلك التحديات. ختاماً، يمكنني القول بكل ثقة إن بلادنا بعد تعيين سمو ولي العهد الجديد، أصبحت -بفضل الله- أكثر استقراراً وأعلى جاهزية للانتقال لمستقبل أفضل ننتظره جميعاً بتفاؤل له مبرراته الموضوعية، خصوصاً بعد أن زادت قدرتها على مواجهة المتغيرات، والتصدي للدسائس والمؤامرات، ومكافحة الإرهاب، واستكمال برامج الإصلاح وتعديل المسار، والمضي قدماً في جمع كلمة العرب والمسلمين على كلمة الحق والعدل. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأدام علينا نعمة الأمن والاستقرار.