ما يحصل في قطر هو أقرب ما يكون للعبث السياسي، فهل يعقل أن دولة في طور النشوء تخلصت للتو من الاستعمار البريطاني العام 1971، تتحول إلى كيان محتل متعدد الأطراف، بإرادتها وبعمل دؤوب منها، بل وبترحيب من قيادتها السياسية، احتلال قامت به تنظيمات وأفراد وجماعات ودول إقليمية، تنطلق من أيديولوجيات وأهداف مختلفة، لكنها تجتمع جميعا على مبدأ واحد هو تطويع الإرهاب والقلاقل في العالم لتحقيق مكاسب سياسية. يبدو أن المحتلين توصلوا إلى أنه ليس هناك أفضل من قطر، جائزة كبرى يتم اقتسامها بينهم، أرض صغيرة قليلة السكان تعوم فوق بحيرة هائلة من الغاز والنفط والمال، مصدر مثالي لا يمكن التفريط فيه، بعض العوائد تصرف على شعب قليل العدد، والكثير الباقي يتم استغلاله لتحقيق أجندات ومصالح من خلال دعم الجماعات الإرهابية وخلق الفوضى وهد الدول العربية، لإرضاء أنفس امتلأت بالسادية والمازوخية. فالإخوان المسلمون والقاعدة وداعش ومطاريد البعث ونفايا القومجية البائدة، إضافة لمتنفذين انقلابيين، ولحق بهم اليوم «الجندرمة» التركي والحرس الثوري الإيراني، اختطفوا قطر من أهلها ومن محيطها الخليجي والعربي نحو المجهول. في تعريف الدول يقول المصطلح السياسي ما يلي: الدولة هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد، ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية التي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها، وينقسم العالم إلى مجموعة كبيرة من الدول، وإن اختلفت أشكالها وأنظمتها السياسية. أين قطر مما سبق، لا شك أنه لا ينطبق عليها أي من الشروط أعلاه، فكل ما تقوم به الدوحة هي أعمال عبثية متناقضة لمجموعة أفراد تجمعهم مصلحة واحدة، استولوا على بئر غاز وسخروا عوائده المالية الهائلة للتنمر على العالم ودعم الأعمال الإرهابية والمتطرفة فيه. لكن ما الذي يجعل قطر أقل من دولة وأكثر من منظمة إرهابية؟ التجربة القطرية تجربة مثيرة وغير مسبوقة، ولم تفعلها من قبل إلا طالبان، عندما أسست دولتها على أرض أفغانستان نهاية التسعينات الميلادية، ثم احتضنت القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، وأصبحت هي وتنظيم القاعدة جسدا برأسين يحكمان نفس البلد. اليوم قطر تفعل نفس الشيء، فهي تحتضن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وزعيمها يوسف القرضاوي، إضافة إلى جماعات متطرفة تدعمها وتوفر لها الحاضن المالي والإعلامي واللوجستي، وتحميها من ردات فعل الدول المتضررة، ولا تريد أن تساهم في تفكيك المنظمات ولا تسليم المطلوبين المتورطين في أعمال إجرامية. تقدم نفسها للعالم على أنها دولة مدنية لديها خمارات وكنائس ونوادٍ ليلية، وتستخدم ذلك كله للتوسط بين الأطراف جميعا، فهي متطرفة جدا كما القاعدة وطالبان والنصرة وداعش والإخوان وإيران، وفي نفس الوقت وعلى النقيض تماما تتبنى خطابا ثقافيا غربيا تراه في الشواطئ المشتركة وحرية اللباس والتساهل مع سلوكيات متحررة، وتدعم إسرائيل وتحتضن تمثيلا دبلوماسيا لها، وتستقبل قادتها الصهاينة وتتيح لهم الفرصة للالتقاء مع بناتها في جامعاتها. لقد تحولت قطر - للأسف - من دولة ذات سيادة، أمامها مستقبل باهر ومدنية حقيقية إلى مستوطنة هي الظهير للتطرف، تجتمع فيها عصابات و«غرائب سود» من شذاذ الأرض، إعلاميون غاضبون من دولهم الأصلية، «عرب شمال» فقراء تحولوا لأغنياء من أموال الارتزاق، إرهابيون متقاعدون وجدوا أعمالا إضافية في إدارة وتدريب انتحاريين جدد، تجمعهم جميعا جماعة الإخوان المسلمين التي تسيطر على مفاصل الحكم في قطر وتعبث في مقدراتها المالية وتوجهها نحو تعظيم دور الجماعة الإرهابية والجماعات المرتبطة بها.