قال الأمير سعود الفيصل يرحمه الله «إن التغيير في الهرم القيادي في قطر لم ينعكس على السياسة الخارجية؛ لأن الشيخ حمد لم يتخل عن ملف السياسة الخارجية لابنه تميم ويصر على المضي على نفس النهج المناوئ للسياسة السعودية بصرف النظر عن خطئها أو صوابها». كان ذلك في آخر لقاء للأمير مع نخبة من الكتاب والصحفيين في مكتبه بوزارة الخارجية قبل وفاته بقليل، ما يعني أن الشيخ تميم وجد نفسه كالبطة العرجاء في الديوان الأميري. ولقد حاول الأمير الشاب التمرد في البداية على هذا الوضع الشاذ الذي حوله لمجرد واجهة رسمية لا قيمة لها، خاصة مع تفرد الأمير الوالد، كما يحلو للقطريين تسميته، بالقرار الاقتصادي أيضا، وذلك بإلزام الدولة القطرية بربط سياساتها الاقتصادية والتنموية المحلية بمتطلبات استضافة كأس العالم 2022، أما السياسات الاقتصادية الدولية فقد تفرد بها الشيخ حمد أيضا من خلال الهيمنة على جهاز الاستثمارات القطري الذي يحتل المرتبة التاسعة على مستوى الصناديق الاستثمارية العالمية، والذي يغذى من فوائض إيرادات النفط والغاز، ويستثمر في كافة دول العالم وفي مقدمتها لندن المقر شبه الدائم للشيخ حمد - بعد التقاعد الوهمي - والدائم لحلفائه قادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وما لبثت دول مجلس التعاون الأخرى أن تبينت المأزق الذي يمر فيه الأمير الشاب فقبلت السعودية وساطة كويتية يتعهد فيها النظام القطري بموجب اتفاق مكتوب سنة 2013 بعدم المخالفة والعمل ضد مصلحة دول المجلس والامتناع عن إيواء زعماء الجماعات المشبوهة وتمويل الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر. ولكن الدولة ذات الرأسين لا يمكن الاتفاق مع أحد رؤوسها دون الآخر الذي ألقى بكل شيء عرض الحائط لتتفاقم الأمور مرة أخرى فتضطر دول المجلس لتوقيع اتفاق جديد مع الدوحة سنة 2014 عرف بمسمى «اتفاق الرياض». وبعد أخذ ورد وتجاذبات داخل بيت الحكم القطري يبدو أن الابن وجد نفسه مكبلاً بمنظومة الحكم الإخوانية والفلسطينية التي أسسها والده على مدى عقود، فقرر سحب البساط من تحت قدمي والده بتجيير تلك المنظومة لصالحه والاستفادة منها في تحقيق مجده الشخصي. فعزز مكانة رؤوس تلك المنظومة وتبنى سياساتها وغاياتها المدفوعة بأجندات سرية لكل مجموعة تصب كلها في النهاية على تفتيت المفتت وتقسيم المقسم حتى تتساوى الرؤوس ويتحول الأقزام إلى عمالقة. ولكن بدلا من أن يسرّ الوالد بتبني منظومة حكمه التي تعب على بنائها لنفسه استشاط غضبا؛ لأن هذا التبني لم يكن لحسابه بل همشه وحاصره في لندن بلا حول منه ولا قوة. فحاول الرجوع لقطر لإحداث تغيير جديد بانقلاب من الانقلابات التي يتخصص بها لاستبدال تميم بأخيه عبدالله ولكنه فشل، ويبدو أن سلطته على جهاز الاستثمار الحكومي أسقطت أيضا. وبهذا الصراع على السلطة والمجد الشخصي بين أجنحة الحكم في قطر لا نرى إجماعا بينها إلا في مزيد من التعزيز لسطوة الإخوان والمنشقين الفلسطينيين على القرار السياسي القطري. وهذا ما لا يمكن لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية احتماله بعد أن تطاير شر الحيات التي يخفيها النظام القطري في قميصه في مختلف الاتجاهات فلم تسلم منه العديد من الدول العربية بما فيها دول المجلس التي بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة في تجميع الدلائل والشواهد عمن يقف خلف زعزعة أمنها واستقرارها لتجد أنها تقود دائما إلى مصدر واحد هو قطر والتنظيمات والجماعات التي ترعاها قطر. وهكذا وجدت قطر نفسها، في خضم لعبة صراع العرش فيها، رهينة وأداة طيعة للأدوات التي ظنت أنها تسخرها. ولذلك على قيادة قطر أن تتنبه إلى أن التعامل مع الإخوان لعب بالنار فعلاً، فهم إن كمنوا فللتمدد والتغلغل في المجتمع وإن تحركوا حركوا معهم أذرعا عسكرية معروفة وأخرى غير معروفة للقتل والتدمير دون اعتبار لذهاب الأرواح أو لخراب الأوطان. فمن يأتمر بأوامر التنظيم الدولي لا يمكن أن يدين لكم بالولاء فأنتم مجر جسر عبور وتمويل في مخططاتهم للنفاذ لبلاد الحرمين ومصر لاستكمال المخطط وتسليم الجوائز الكبرى.. * كاتب ومحلل إستراتيجي