تعد المؤسسة العامة للحيّ الثقافي في قطر «كتارا» إحدى المنارات الثقافية في المنطقة الخليجية، وتتطلع إلى بناء جسر حضاري يربط بين ثقافات العالم، ويتخطّى الحدود الجغرافية، ويعزز الهوية الإنسانية، ويدعم رسالة الإنسانية في إطلاق منصّة حوار. وتجمع الثقافات والحضارات. ويقدم الحي الثقافي نموذجا فريدا وغير مسبوق في المشاريع الثقافية القائمة على الاستثمار. وخلال زيارة «عكاظ» للحي الثقافي التقينا مدير عام كتارا الدكتور خالد السليطي وحاورناه وهنا نص الحوار: • من أين جاء مصطلح (كتارا)؟ •• تسمية كتارا ارتبطت مع الاسم القديم الذي أطلق على قطر في الخرائط الجغرافية القديمة، ومنها ما ورد في الخرائط التي وضعها بطليموس عام 150 ميلادية وكانت تكتب بحرف السين في بداية الكلمة، كما أنها كانت تعرف باسم «كدارا» حسب الأطالس الجغرافية القديمة، وظل هذا الاسم يشير إلى شبه جزيرة قطر حتى عام 1738، أما تسمية كتارا والتي تكتب باللغة الإنجليزية بحرف الكاف بدل السين، فقد ظهرت في القرن السابع عشر الميلادي للإشارة إلى ساحل شبه الجزيرة العربية والخليج، وانطلاقا من التواصل مع عراقة الماضي وأصالته استلهمت المؤسسة العامة للحي الثقافي إحياء الاسم الذي أطلق على قطر قديما تأكيدا على أهمية العلاقة التي تجمع بين الإنسان وجذوره التاريخية والثقافية.• ما هي مؤسسة الحي الثقافي؟ •• يمكننا أن نعرف مؤسسة الحي الثقافي بأنها مؤسسة عامة، تهدف إلى النهوض بالحركة الثقافية وتشجيع وإبراز الطاقات الإبداعية وتحويل أرضية الحي الثقافي بمرافقه ومبانيه لبيئة مناسبة لرعاية النشاط الإبداعي والفكري والفني والأدبي، والمؤسسة مشروع ثقافي ذو شخصية اعتبارية وموازنة مستقلة ويدار على أسس تجارية. تأسيس مؤسسة الحي الثقافي كتارا انطلقت من أهداف سامية، أبرزها الحفاظ على التراث المادي والمعنوي لدولة قطر، وتشجيع العمل الإبداعي والمعرفي والفكري، خصوصا المرتبط بالثقافة العربية والإسلامية، والانفتاح على الثقافة الإنسانية المتعددة والمتنوعة. كتارا هي أشبه بحاضنة للإبداع والتميز والفكر الحر ومنارة للثقافة والفنون تتفاعل مع عالم ناهض تتغير معالمه وتتشكل ملامحه باستمرار.وتسعى مؤسسة الحي على تكوين أرضية صلبة للمساهمة في تشكيل الوعي الثقافي في قطر والعالم العربي من خلال تنظيم المهرجانات والمعارض والندوات وغيرها من الفعاليات ذات الطبيعة الثقافية والفنية وإجراء البحوث والدراسات وإصدار المطبوعات والدوريات التي تعبرعن أهداف وأنشطة المؤسسة بالتنسيق مع المؤسسات الثقافية الأخرى على صعيد محلي وخليجي وعربي ودولي.• ما رسالة «كتارا» ؟ •• إننا في المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا نستقي رؤيتنا ورسالتنا وأهدافنا من رؤية قطر 2030 وننسجم مع الفكرة التي راودت القيادة وهي أن تكون الدوحة عاصمة دائمة للثقافة العالمية وبما يحافظ في نفس الوقت على هويتها العربية والإسلامية المتميزة ويقدم الثقافة العربية للتنوع والتعايش وعلى الشكل الذي يجب أن يعرفه العالم؛ لذلك ركزت الرسالة التي أنشئ من أجلها الحي الثقافي على الاستثمار والنهوض بالثقافة بكل مفرداتها وأشكالها وجعلها جسرا يربط بين الشعوب يتخطى الحدود المحلية والإقليمية إلى العالمية، لذا قمنا باعتماد إستراتيجية طويلة المدى انطلقت أدواتها لتمهد الأرضية لاحتضان الإبداع ونشر الفنون ودعم الابتكار بكل أشكاله على أرض كتارا وتوفير الأجواء الملائمة التي تجمع المثقفين والنخب والثقافات العالمية المتعددة في مكان واحد.• ما أبرز الفعاليات والبرامج؟ •• الفعاليات التي تقيمها المؤسسة العامة للحي الثقافي تستهدف النهوض بالحركة الثقافية والفنية في المجتمع القطري والخليجي والعربي بداية، والقيم التي نؤمن بها ونحاول أن نعكسها في فعالياتنا وبرامجنا المختلفة المحلية والإقليمية والدولية تهدف إلى تمكين وإبراز عناصر الإبداع والتنوع والاختلاف الحيوي والإيمان بالقدرة على استثمار العنصر البشري والمساهمة في تعزيز المعرفة وبناء مجتمع متعلم مبدع مطلع على الثقافات العالمية الآسيوية والأفريقية والأوروبية واللاتينية وغيرها من الثقافات متعددة الانتماءات.وبالمقارنة مع السنوات الماضية فقد تحولت فعالياتنا وبرامجنا إلى فعاليات دائمة ومتنوعة طوال السنة وبلا توقف وهي تمثل مزيجا متنوعا من الفنون والحرف والأعمال والعروض الفنية والمسرحية والسينمائية ومعارض الفنون التشكيلية والتصوير الضوئي، بالإضافة إلى عروض الأوبرا ومهرجانات ثقافية تراثية وفنون موسيقية وفعاليات دولية رياضية و ترفيهية، وغيرها من الأعمال الإبداعية المحلية والعربية والعالمية، لذلك فإن تطلعاتنا وطموحنا كبير بمستوى محبتنا لبلادنا وثقافتنا العربية والإسلامية وهو ما يدفعنا لبذل كل الجهود المتوافرة لتكون أنشطتنا وفعالياتنا متميزة ولها بصمتها في مجتمعاتنا، كما أننا في الوقت ذاته نتطلع إلى البعد العالمي إيمانا منا بالمفهوم الشامل للثقافة الإنسانية والتي تشكل ثقافتنا جزءا لا يتجزأ منها. • ماذا عن دعم المواهب والمبدعين؟ •• الغاية التي تسعى مؤسسة الحي الثقافي لها هي دعم واحتضان المبدعين والمثقفين، ولقد دخلنا في مشاريع تعاون مع العديد من الجهات على مستوى فردي بالإضافة إلى المؤسسات والهيئات والوزارات الحكومية لخدمة هذه الفئة المتميزة في المجتمع. ونؤكد بدورنا أن أبواب المؤسسة العامة للحي الثقافي مفتوحة على مصراعيها للجميع وخصوصا المبدعين والموهوبين من الجيل الجديد من الشباب القطري الواعد من الجنسين في تبني وعرض واحتضان أنشطتهم وفعالياتهم وإبداعهم الفكري والمعرفي والفني بالإضافة إلى الأعمال الثقافية المختلفة.• أين تضع جائزة كتارا بين الجوائز العربية؟ أهمية الجائزة لا تنبع من قيمتها المادية فحسب رغم أنها الجائزة الأكبر على الإطلاق في العالم العربي في مجال الرواية العربية، إذ تبلغ قيمتها الإجمالية 650 ألف دولار، ولكن أهمية الجائزة تكمن في أن هناك مؤسسة تقدر الإبداع والمبدعين العرب وتقول لهم نحن نهتم بإنتاجكم الثقافي ونعرف قيمته وقيمتكم وسنعمل على أن يصل أدبنا العربي إلى العالمية من خلال حركة الترجمة التي ستصاحب الروايات الفائزة، مع إمكانية تحويل الرواية التي تصلح إلى عمل درامي بعد الاتفاق مع الروائي والناشر. بل تفتح بابا أكثر اتساعا أمام الروائيين العرب، عبر 10 جوائز، (5 فائزين في مجال الرواية المنشورة و5 فائزين في مجال الرواية غير المنشورة). ففي مجال الروايات المنشورة يتم اختيار 5 فائزين مشاركين من خلال ترشيحات دور النشر، ويحصل فيها كل نص روائي فائز على جائزة مالية قدرها 60 ألف دولار أمريكي، ليصبح مجموع جوائز هذه الفئة 300 ألف دولار أمريكي. تليها فئة الروايات غير المنشورة، وتتمثل في 5 جوائز للروايات، وقيمة كل منها 30 ألف دولار أمريكي، ليصبح مجموعها 150 ألف دولار أمريكي. وتمنح اللجنة أفضل رواية قابلة للتحويل إلى عمل درامي من بين الروايات الفائزة، وقيمتها 200 ألف دولار أمريكي مقابل شراء حقوق تحويل الرواية إلى عمل درامي. وستقوم اللجنة المشرفة على جائزة «كتارا» بنشر وتسويق الأعمال الفائزة التي لم تنشر، وترجمة أعمال الفائزين إلى اللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والصينية والهندية. • لماذا أسستم جائزة كتارا لشاعر الرسول؟ •• للتأكيد على أهمية الشعر واللغة العربية في وحدة الأمة الإسلامية، وربط شباب الأمة بحضارتها وتدعيم الهوية العربية، وتعريف الجمهور بقيمة فن الشعر ومدى تأثره بواقعنا وتأثيره عليه من خلال التجارب الشعرية والقصائد الملقاة على لسان المتسابقين. وتهدف جائزة كتارا لشاعر الرسول إلى اختيار المتسابقين الذين سيتألقون ويتجملون ويصدحون بأجمل القصائد وأعذب الكلمات والأبيات، مستخدمين كل أدواتهم الشعرية وأساليب وتراكيب اللغة العربية للارتقاء بالحس الشعري والوصول إلى أبهى جماليات الشعر المتخصص في مديح الرسول وسيرته النبوية العطرة ومن ثم الاستحواذ على أسماع وقلوب الجمهور العريض الذي يستمع بحيادية شديدة وينتقد نقدا موضوعيا. وتبلغ جوائز المسابقة خمس جوائز قيمتها الإجمالية 675 ألف دولار وهي: الجائزة الأولى 300 ألف دولار أمريكي. الجائزة الثانية 200 ألف دولار أمريكي. الجائزة الثالثة 100 ألف دولار أمريكي. الجائزة الرابعة 50 ألف دولار أمريكي. الجائزة الخامسة 25 ألف دولار أمريكي. • هل تعملون وفق إستراتيجية؟ •• المؤسسة العامة اعتمدت صياغة إستراتيجية خمسية، تمثلت في العمل على إثراء المشهد الثقافي والتركيز على دعم الثقافة والفنون الإنسانية وترسيخ الهوية الوطنية وإحياء التراث بوصفهم عناصر أساسية تعزز من الانتماء الوطني وتسعى لتحقيق التنمية الثقافية المنشودة بالمجتمع بالإضافة إلى رؤيتنا الدولية في الانفتاح على الثقافات الإنسانية العالمية ورسم ملامح الصورة الحضارية المشرقة لدولة قطر في المحافل الخارجية وتعزيز حضورها الفاعل في الساحة الخليجية والعربية والدولية. وتحويل كتارا إلى مؤسسة ثقافية مربحة اقتصاديا، وتوجيه فريق عمل كتارا نحو المعايير الدولية المعتمدة، وتم التعاقد مع مؤسسة دولية لها نجاحات في مجال الإستراتيجيات والقيادة التنفيذية لكي يتم الاستفادة القصوى من التجارب العالمية بشكل مباشر ويتم تبني القيم والرؤى والرسالة وتفعيلها للوصول للأهداف التي تسعى الإستراتيجية، لتحقيقها على أرض الواقع مع وجود مؤشرات، كمية قابلة للقياس بعد التنفيذ وعند التقييم والمراجعة. والإستراتيجية هي أشبه بخريطة طريق للسنوات القادمة وقد بنيت على إحصاءات ومعلومات واستبيانات ونتائج استطلاعات رأي ضمت فريق إعداد مشترك من داخل المؤسسة ومن خارج المؤسسة مع خبراء دوليين ليكون قادرا على متابعة وتنفيذ الخطة التنفيذية. • الطموح والمأمول؟ إن رؤية المؤسسة أن تصبح قرية عالمية متعددة الثقافات الإنسانية، وتتحول إلى مركز للإبداع والإنتاج والابتكار وإطلاق الطاقات البشرية، والقيم التي تستلهمها المؤسسة هي الإلهام والتنوع والتميز والإبداع والشراكة والعمل الجماعي. ونحن نستلهم من خلال المبادئ الإنسانية العليا روح الثقافة وأصالتها، والميزة المعاصرة في الوقت نفسه، والقيم التي نؤمن بها نحاول أن نعكسها في أنشطتنا وبرامجنا المختلفة المحلية والعالمية والتي تقوم بالتركيز على إبراز الإنجاز والتنوع والاختلاف وتلاقي الفنون من مختلف الحضارات الإنسانية.