عندما تنقسم واحدة من كبار موردي النفط لدولة الى دولتين متناحرتين فان هذه الدولة تقع في مشكلة كبيرة.. وعندما تكون الدولة في هذه الحالة هي الصين بما لديها من نهم كبير للطاقة وتاريخ من عدم تأييد طرف على حساب الاخر فان الصراع يسبب ما يشبه صداعا نصفيا لسياستها الخارجية. ويدخل موقف الصين المتوازن بين جنوب السودان والسودان مرحلة مهمة مع زيارة رئيس الجنوب سلفا كير بكين يوم الاثنين سعيا للدعم السياسي والاقتصادي وسط تصعيد للتوتر مع جاره الشمالي. وتأتي زيارة كير التي تستمر ستة أيام بعد أيام من اصداره أوامر لقواته بالانسحاب من منطقة هجليج الغنية بالنفط بعد انتزاع السيطرة عليها من السودان في خطوة جعلت الدولتين على شفا حرب شاملة. وبالنسبة للصين التي تستثمر في قطاع النفط بالبلدين فان الصراع بينهما يظهر كيف أن التوسع الاقتصادي في الخارج أجبر بكين في بعض الاحيان على أن يكون لها موقف من صراعات بعيدة عنها تفضل تجنبها. وانفصل جنوب السودان عن حكومة الخرطوم العام الماضي. وقال زاك فيرتين وهو محلل كبير في شؤون السودان وجنوب السودان في المجموعة الدولية لمعالجة الازمات "رأينا كيف تستدرج الصين الى ساحة الصراع لان كل طرف يحاول جذب المصالح الصينية لتتماشى مع مصالحه. "لكن الصين لا تريد أن تخوض كثيرا في أي اتجاه وتجازف بالاضرار بعلاقاتها مع أي من شركائها." وقال فيرتين ان هذه هي الحقيقة التي على الصين مجابهتها مع تنامي وجودها على الساحة العالمية. وكانت قوات للمتمردين في السودان قد خطفت في وقت سابق من هذا العام 29 عاملا صينيا. وطردت جنوب السودان أيضا ليو يينغ تساي رئيس بترودار وهو كونسورتيوم نفطي تقوده الصين ويمثل شركة النفط الرئيسية العاملة في جنوب السودان. وقال الجنوب ان الشركة لا تتعاون معه بشكل كامل في تحقيق يجريه بشأن شركات النفط التي يشتبه بأنها تساعد السودان في السيطرة على نفط الجنوب الذي ينقل الى الشمال لتصديره. وانفصل جنوب السودان سلميا عن الشمال بموجب بنود اتفاقية أبرمت عام 2005 بعد عقود من الحرب الاهلية لتسيطر جوبا على ثلاثة أرباع الناتج النفطي للسودان. وظل دعم الصين القديم للخرطوم بما في ذلك دورها كمورد للاسلحة شوكة في حلق الجنوب لكن بكين وسعت علاقاتها مع جنوب السودان الذي يتوق لضخ نفطه. ويمكن للصين أن تشيد البنية التحتية الملحة للغاية في جنوب السودان. ووضعت الصين بذلك بين رحى الدولتين المتناحرتين لكن هذا قد يساعدها على لعب دور في حفظ السلام. وقال لي شين فينغ وهو باحث في الشؤون الافريقية في الاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية "ربما تأتي هذه الرحلة في وقت جيد اذا استطاعت الصين ممارسة بعض نفوذها على الجنوب والدفع من أجل السلام. يمكن للصين أن تقول لكير انه اذا لم يحدث سلام فلن تكون هناك تنمية." وقال لي وي جيان الذي يدرس السياسة الخارجية الصينية في معاهد شنغهاي للدراسات الدولية ان الصين تدرك أن نفوذها في البلدين يضعها في موقف فريد لكنها تتردد في اعتبار نفسها الوسيط الاساسي. وأضاف "يريد (جنوب السودان) من الصين أن تستخدم هذا النفوذ لمساعدته. ستبذل الصين جهودا بالطبع لكن هذا جدال قديم ولن يتم حله ببساطة نتيجة لتدخل الصين." ويقول بعض المحللين ان بكين في وضع غير مريح لان السودان وجنوب السودان وكذلك الولاياتالمتحدة تدعوها لاستخدام نفوذها الذي تقول الصين انه يأخذ أكبر من حجمه. وحذر تشا داو جيونغ وهو أستاذ في جامعة بكين يدرس صفقات الطاقة الصينية في الخارج من توقع الكثير من زيارة كير لبكين والتي تأتي بعد زيارة قام بها الرئيس السوداني عمر حسن البشير المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية للصين العام الماضي. وقال تشا "الصين ليست سوى مورد لخدمات العمالة في السودان وجنوب السودان. ليس لدينا نفوذ كبير سواء عن طريق الاقناع أو الحوافز المالية." وذكر فيرتين من المجموعة الدولية لمعالجة الازمات أن السودان وجنوب السودان لم يعدا من العناصر الحيوية في استراتيجية الطاقة بشكل عام في الصين. وكان السودان واحدا من أهم موردي الصين بالنفط الخام لكن بيانات الجمارك الصينية الحديثة تظهر تراجع واردات الخام من السودان قرابة 40 في المئة في يناير كانون الثاني وفبراير شباط بالمقارنة مع العام السابق. وقال فيرتين "يبقى السودان وجنوب السودان قطعة مهمة في اللعبة.. ليس بالضرورة فيما يتعلق بصافي الواردات ولكن الاهم هو أن الصينيين يستثمرون بكثافة هناك في قطاع النفط وفي خلق فرص جديدة في البنية التحتية. الامر يتساوى بالنسبة لهذه الفرص وواردات النفط الخام."