كان العرب قديماً يهتمون بتربية أطفالهم منذ نعومة أظافرهم، حيث يرسلونهم إلى البادية في مراحل سنية مبكرة للتعرض إلى الهواء الطلق، والاندماج مع الطبيعة البكر، وتعلّم الفروسية والشجاعة، وطلاقة اللسان وصلابة العود، ليعود الطفل بعدها إلى أسرته مكتسباً من تلك الحياة شخصية فذّة، ما يلبث حتى تتبلور مع الزمن وتظهر ملامحها في مراحل متقدمة من عُمره. ورغم أن هذه التجربة قد اندثرت كثيراً مع قدوم الحضارة وتطور أدواتها، إلا أن التربويين أعادوا التفكير مرة أخرى في سن الطفل ( ما بين 3 إلى 6 سنوات) التي وصُفت بأنها مرحلة الطفولة المبكرة، حيث ثبت علمياً بأن المخ ينمو فيها أكثر من أي جزء آخر في جسم الإنسان، ولهذه المرحلة التأثير الكبير في الارتقاء بمستوى نمو الطفل في جميع النواحي الجسمية، والنفسية، والعقلية، واللغوية، بالإضافة إلى تهيئته لدخول المدرسة وتعويده على جوها وتمكينه من تحقيق التكيف المنشود. هذه المعطيات، اهتمت فيها وزارة التربية والتعليم في المملكة، عبر إدارة رياض الأطفال، وجعلتها من أولويات خططها التربوية في الاهتمام ببناء النشء، وهيأت لها الأماكن المخصصة في مراحل التعليم المختلفة من خلال اتباع أساليب حديثة تعتمد في عملها على دمج التعليم بالترفيه، وبرزت هذه التجربة حالياً في ركن الطفولة المبكرة الموجود في مقر وزارة التربية على أرض الجنادرية 27. ويضم هذا الركن مشاركات مختلفة لعدد من المناطق التعليمية في المملكة، يعرض خلاله الممارسات التربوية المعنية بتعليم الطفل في سن الثالثة من عمره حتى السادسة، والنهوض بمستواه العقلي والفكري، عبر منظومة من النشاطات المتنوعة التي تنمي لديه حس التفاعل الإيجابي، ضمن بيئة تعليمية وترويحية تمكنه من النمو المتوازن في النواحي الجسمية والعقلية والنفسية واللغوية والاجتماعية. وتشير الأبحاث التربوية، إلى أن الطفل يبدأ في تعلم لغة الأم في بداية سن الثانية من عمره حتى سن السادسة، حيث يستطيع التمثيل الرمزي للأشياء مع التفكير البسيط، كلون من ألوان النشاط العقلي، كأن يكون قادرًا علي تقليد بعض الأصوات المتعلقة بالموجودات المحيطة بحيات، ومع تعلم الطفل لغة أبويه والمحيطين به، تنمو قدرته علي التقليد والمحاكاة، وتزداد قدرته علي الكلام بسرعة أكبر تدريجيًا، حتى يستطيع التعبير عن حاجاته وانفعالاته مستخدما الكلام البسيط بدلاً من البكاء . من هذا المنطلق أدرج المسؤولون عن ركن " الطفولة المبكرة " في مشاركتهم هذه عدّة أنشطة متنوعة ذات أهداف مختلفة يتعلم ويستمتع الطفل من خلالها، فمن أنشطة جذابة عن أدوات وتطبيقات الأمن والسلامة، إلى زوايا عن المهن بعنوان "مهنتي تصنع مستقبلي"، إضافة إلى نماذج واقعية لورش تصليح السيارات، وصالون التجميل، وتنسيق الزهور، في حين أن الجانب الخيالي الذي يهواه الطفل في هذه السن المبكرة، لم تغفله وزارة التربية والتعليم، حيث هيأت زاوية مخصصة للقصص والروايات" ومسرحاً واقعياً يحاكي هذه القصص التي كانت تروى في الماضي . // انتهى//