على حين غفلة، وجد رجال أمن سعوديون أنفسهم موظفين في مؤسسات خاصة لم يسمعوا عنها ولم يروها. هكذا تبدأ فصول القصة التي لم تنتهِ بعد. فقد لجأت فيما يبدو مؤسسات أهلية يملكها مواطنون إلى القيام بعملية غير قانونية للتحايل على نظام نطاقات ورفع مستوى السعودة، وذلك بالزج بأسماء رجال من المنتمين للسلك العسكري ليصبحوا فجأة في قائمة موظفيها. القصة بدأت من خبر نشر في الصحافة عن تسجيل مؤسسة خاصة لرجل أمن دون علمه من أجل ترجيح مكيال السعودة في ملفها لدى وزارة العمل. ربما الفضول وحده قاد أحد جنود الحرس الوطني بعد قراءة ذلك الخبر ليتصفح موقع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على الشبكة العنكبوتية ويستعلم عن نفسه من خلال رقم هويته الوطنية. وقد كانت المفاجأة أن وجد نفسه موظفاً في مؤسسة وطنية لم يسمع بها من قبل، ليصيح في رفاقه، لقد أتيتكم بخبر يقين. فيهرع الرجال بعدها بهوياتهم الوطنية على حوض الإنترنت مستعلمين عن أنفسهم كذلك. لتصيبهم الدهشة واحداً تلو الآخر، فقد كان غالبيتهم مسجلين في تلك المؤسسات دون علمهم. اشتاط الرجال غضباً خاصة وهم العسكر الذين يلتزمون بالقوانين والأنظمة ويردعون من يتجاوز التعليمات. منهم من ذهب إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ليوقف استغلال اسمه، ومنهم من شخص إلى جريدة (الرياض) ليستميحنا عذراً في أن نمنحه المنبر ساعة ليبوح بما لديه..حكاية تؤكد بجلاء أن تجار التأشيرات، وربما صغار التجار قد أصابوا نظام نطاقات في مقتل، وقفزوا عليه، وتحايلوا حتى على نظام النطاق الذي مكنهم من استقدام آلاف التأشيرات ببركة السعودة المزعومة. ترى أين تكمن الثغرة التي نفذ من خلالها أولئك الرجال ليكونوا في مقدمة الشركات الموطنة للوظائف وهم لم يوظفوا أحدا؟ وما هي الإجراءات التي تنتظرهم ؟ وماذا عن ضحايا هذا الاستغلال من رجال الأمن ومن المواطنين الذين استغلت أسماؤهم وهوياتهم دون علمهم؟. حالة استغلال كنت أنتظر مجيئهم عند بوابة الجريدة، شابان في العقد الثالث من العمر، يبدو عليهما جدية كبيرة، فالأمر ينتهك المواطنة والأخلاق الشخصية ولكن بهدوء كبير أيضاً، أخذتهما حيث يجب أن نجتمع. كانا شابين أحدهما جندي وهو سليمان العنزي، والآخر عريف وهو راكان العتيبي..استمعت إليهما جدياً حينما بدأ الرجلان بسرد القصة . يقول سليمان سعد العنزي، والذي يعمل في الحرس الوطني برتبة جندي، إن خبراً نشر في إحدى الصحف يشير إلى أن عسكرياً اكتشف انه مسجل كموظف في إحدى الشركات الخاصة، قد دفعه هو ومجموعة من زملائه في الحرس الوطني إلى الدخول على موقع التأمينات الاجتماعية عن طريق الإنترنت والاستعلام برقم هوياتهم الوطنية، حيث كانت المفاجأة حين اكتشف أنه مسجل كموظف في إحدى المؤسسات الخاصة، ويشير إلى أن زملاءه أخذوا يستعلمون بأرقام هوياتهم، وكلما استعلم احدهم برقم هويته كانت النتيجة تظهر أنه موظف في مؤسسة خاصة ومسجل في التأمينات الاجتماعية. بينما جميعهم يعملون كرجال أمن في الحرس الوطني. وقال العنزي ان المؤسسات غير معروفة والتي وصفها بالوهمية هي الأكثر استغلالاً لأسماء زملائه من خلال تسجيلهم للعمل لديها في التأمينات الاجتماعية دون علمهم. وأشار إلى أنه حين ذهب لتعديل بياناته وتصحيحها في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية قد وجد عسكرياً في الجيش السعودي يعدل هو الآخر بياناته بعد ما استغلت اسمه إحدى تلك المؤسسات. وأشار العنزي أن تلك المؤسسات مارست عملية تزوير، واستغلال، وطالب الجهات المختصة بأن تنصفه وزملاءه وذلك من خلال إيقاع العقوبات على من قام بهذا العمل، وكذلك إنصافه هو وزملاءه في حقهم الخاص لدى أصحاب تلك المؤسسات. وقال: إننا نطالب بكل ما يمنحنا إياه النظام من حقوق نتيجة التزوير واستغلال أسمائنا وهوياتنا الوطنية من أجل مصالح شخصية لأصحاب تلك المؤسسات. وأضاف: إن لدينا توجها حقيقيا للاجتماع وتوكيل محامٍ يطالب برد اعتبارنا تجاه تلك المؤسسات. وشدد على ان ما تعرضوا له صورة من صور الفساد التي أضرت بالوطن أولاً، وبهم كمواطنين ثانياً. كيف حدث هذا؟ راكان العتيبي يعمل في الحرس الوطني برتبة عريف، يقول إنه بمجرد ما اكتشف انه تم تسجيله كموظف في إحدى الشركات دون علمه، ذهب إلى مبنى التأمينات الاجتماعية وطلب « برنت « ليوثق ذلك، ثم ذهب إلى قسم الشكاوى وتقدم بشكوى في حق المؤسسة التي استغلت اسمه في عملية تسمى بالسعودة الوهمية. مشيراً إلى أن شكواه وجدت تفاعلاً جيداً في التأمينات الاجتماعية، وقال إنهم استلموا الشكوى وطلبوا منه أن يعود إليهم بعد أسبوعين ليطلعوه على ماذا حل بشأن شكواه.وتساءل العتيبي: كيف انني موظف عسكري ويتم تسجيلي في التأمينات الاجتماعية، وقال : أليس هناك شبكة معلومات بين الجهات الحكومية يمكن من خلالها للتأمينات الاجتماعية أن تعرف أين أعمل وهل أنا موظف حكومي أم لا قبل تسجيلي في تلك الشركة، وأبدى العتيبي امتعاضه مما أسماه استغلال تلك الشركات لاسمه وأسماء زملائه دون علمهم وبشكل يخالف الأنظمة، وقال: من المؤسف أن يصل الحد بهؤلاء المزورين إلى الحصول على صور هوياتنا، واستغلال أسمائنا، وتزييف أعداد وأرقام السعودة من أجل الزج بمزيد من الأجانب في بلادنا بينما أبناؤنا يعانون من البطالة . وقال العتيبي إنه وزملاءه تحروا عن تلك المؤسسات التي وجدوا أسماءها على « البرنتات « التي حصلوا عليها من التأمينات، ولكنهم لم يجدوا لها أثراً..ولم يستعبد راكان العتيبي أن تجار التأشيرات هم من يقف وراء ذلك. ولكن العتيبي عاد ليؤكد أن أحد زملائه وجد اسمه مسجلاً لدى شركة مقاولات معروفة، بينما هو يعمل عسكرياً في الحرس الوطني كذلك. وقال راكان العتيبي: في ثكنته العسكرية وحدها قد تم تسجيل 126عسكرياً دون علمهم في تلك المؤسسات الخاصة، مؤكداً أن الأعداد في بقية وحدات الحرس الوطني قد تصل إلى أضعاف هذا العدد. مشيراً إلى أن هناك عسكريين في الأمن العام ومدنيين قد تم استغلال أسماءهم دون علمهم في هذا الشأن كذلك. وتساءل العتيبي كيف حصلت تلك المؤسسات على صور هويات عسكريين في الحرس الوطني، وكيف تم تسجيل الأسماء كموظفي قطاع خاص بينما مهنهم في الحاسب الآلي عسكريون ؟. وقال إن لم تقم الجهات المسؤولة بإيقاف هذه الجرأة على السطو على خصوصية المواطنين والتزوير في المعاملات واستخدام هوياتهم لتحقيق مصالح خاصة دون علمهم، فإن الأمور قد تصل إلى حد ربما لا تحمد عقباه، مؤكداً أن الجرأة في استخدام هويات رجال الأمن وتزوير مهنهم واستغلالها هو أمر غير مسبوق. جريمة جنائية ترى كيف ينظر القانونيون والحقوقيون لما حدث من استغلال لأسماء وهويات عسكريين في الحرس الوطني وتحويلهم لموظفين في مؤسسة خاصة من أجل التحايل على الأنظمة ؟. محمد ضميان العنزي نائب رئيس لجنة المحامين بغرفة الرياض وعضو اللجنة الوطنية للمحامين..يشير انه من الناحية القانونية تعتبر هذه الشركات قد ارتكبت واقعة تزوير، وهي جريمة جنائية، وبالتالي فإن المسؤول في المؤسسة التي قامت بهذا العمل يتحمل ما يترتب على هذه الواقعة. وأشار إلى هذه الجريمة معاقب عليها في النظام، كما أن من قاموا بها قد خالفوا نظام العمل والعمال من خلال ممارسة التوظيف الوهمي أو السعودة الوهمية، وأشار إلى أنه يفترض أن تلغى السجلات التجارية الخاصة بالمؤسسات التي تقوم بهذا العمل . مشيراً إلى أن النظام يتيح شطب تلك السجلات لكونها ارتكبت أكثر من مخالفة في وقت واحد من خلال عمليات التزوير والاستغلال التي قامت بها والمتمثلة في تسجيل مواطنين عسكريين أو مدنيين كموظفين لديها دون أن يكونوا كذلك، ودون علمهم. وقال العنزي: انه يتوجب على المسؤولين في الجهات الحكومية المعنية ألا يترددوا في شطب سجلات تلك المؤسسات لكي تكون عبرة لمن لا يعتبر على حد تعبيره . وقال إن الخطورة تكمن في حصول هؤلاء المزورين على صور الهويات الوطنية للمواطنين، واستغلالها في تسجيلهم لدى هيئات حكومية، مشيراً إلى أن الحصول على وثيقة معينة بطريقة غير مشروعة تعد تهمة أخرى يجب أن توجه للمسؤولين عن هذا العمل. وأشار إلى أن الشباب الذين تعرضوا لما وصفه بالاستغلال لهم حق مقاضاة تلك المؤسسات وأصحابها. مؤكداً أن أهم مسوغات ذلك التقاضي تكمن في استخدام أسمائهم وهوياتهم دون علمهم، واستخدامها بشكل غير قانوني، مشيراً إلى أن هذا الاستخدام غير القانوني أضر بالوطن وساهم في تضليل الجهات المسؤولة حول أرقام التوطين، وهذا يلزم التعويض لهؤلاء الشباب، إضافة إلى العقوبة الجنائية والعقوبات التي يرى القاضي تطبيقها على تلك الشركات. وأكد أن كل شخص يلحقه ضرر جراء عمل خاطئ يتم تجاهه يحق له الحصول عن الأضرار التي سببها ذلك الفعل. وقال إن ما قامت به هذه المؤسسات يعد خيانة وطنية لأنه يمثل تحايلا على التوطين، وتضليلا للمعلومة حيث ان الدولة حين تريد أن تحسب أعداد العاملين من السعوديين في القطاع الخاص فإن مثل هذه الأسماء الوهمية ستؤثر بشكل خاطئ في العملية التنظيمية الخاصة بخطط التوطين. ونصح المحامي محمد العنزي الشباب الذين استغلت أسماؤهم في تلك المؤسسات بالتقدم بشكوى إلى مرجعهم في الحرس الوطني، وكذا إلى وزارة الداخلية بحكم مسؤوليتها عن الشق الأمني، وذلك لحفظ حقوقهم . وقال إن لم تردع هذه المؤسسات بعقوبات جسمية، فإننا سنشهد قريباً تمادياً في هذا الاتجاه سيضر بالوطن والمواطن على حد سواء . عملية تزوير مركبة من جانبه قال د.يوسف بن عبداللطيف الجبر المحامي والخبير القضائي إن استغلال بيانات أي شخص دون علمه، وتسجيله في شركات خاصة هي عملية تزوير مركبة، بمعنى أنها ليست عملية تزوير واحدة فقط، وقال إن التزوير الأول أمام وزارة العمل لإظهار أنه لديها توطين وهذا غير صحيح، عملية التزوير الثانية تسجيل أسماء مواطنين على أنهم موظفين لديها وهم في الواقع ليسوا كذلك هذه عملية تزوير أخرى، وعملية التزوير الثالثة تتمثل في استغلال اسم هوية إنسان دون علمه واستغلالها في تحقيق منافع خاصة وهذه عملية تزوير يعاقب عليها النظام. وأكد أن الظروف التي تدور فيها مثل هذه القضية تسمى ظروفا مشددة للعقوبة. مشيراً إلى أن ذلك يعني إيقاع الحد الأعلى للعقوبات في هذا الشأن. وقال إنه من حق المواطنين الذين استغلت أسماؤهم واستخدمت هوياتهم الوطنية دون علمهم أن يحصلوا على تعويض جراء ذلك. وقال إن الطرف الذي استغل تلك الهويات استفاد مادياً من وراء استخدام تلك الأسماء والهويات، وتهرب بشكل غير قانوني من واجبات والتزامات في مسألة نظام التوطين، كما أن استخدام تلك الهويات دون علم أصحابها يعد من صور تشويه السمعة، وربما تعريض أصحابها لمسؤوليات ومساءلة ربما من الجهات التي يعمل لديها من خلال تعريضه للاشتباه مثلاً. مؤكداً أن ذلك يمثل حقا خاصا، وأن يحصلوا على تعويض مناسب . وقال: إنه من حق من تعرض لعملية استغلال كهذه أن يتوجه للمحاكم العامة وأن يطالب بحقه بهذا الخصوص. وأكد الجبر ان من ضمن العقوبات التي يفترض أن تطال تلك المؤسسات شطب السجل التجاري كونها قامت بأعمال تخالف النظام، وتستوجب شطب سجل ممارسة النشاط. وطالب الجبر الجهات المسؤولة بالوقوف بحزم تجاه مثل هذه الممارسات، مشيراً إلى أنها بدأت تتفشى في بعض مناطق المملكة، محذراً في الوقت ذاته من نتائجها الوخيمة على قيم المجتمع وعلى مصالح الوطن والمواطنين. وقال إنهم لا يمكن أن يحصل المسؤولون في تلك المؤسسات الوهمية أو غيرها على وثائق المواطنين ومعلوماتهم إلا بتواطئ موظفين في بعض الجهات العامة .