"لم تكن علاقة الملك عبد الله بأخيه الأمير سلطان بن عبد العزيز سوى مدرسة تجتمع بها كل لغات النبل والإنسانية والعطف، الذي انساب في مواقف كثيرة جمعتهما في الفرح، في المرض، في كل شؤون الحياة، كيف لا وهما انبثقا للحياة القيادية من مدرسة المؤسس الراحل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن – طيب الله ثراه. لم تمنع الحياة السياسية بكل همومها وتداعياتها، الأخوين من اللقاء الأسري الحميم الذي يمثل مكنون القيادة واهتمامها بالشعب، في واقع يحكي ما يمليه عليه ديننا الإسلامي العظيم من التراحم والمودة والتآلف تحت أحلك الظروف وأعسرها. ويتجسد الموقف الإنساني الأخوي الكبير في إصرار الملك عبد الله على تقديم علاج أخيه الأمير سلطان له بنفسه في المستشفى، في أروع أمثلة التواصل والرحمة، التي هي بمثابة رسالة معبرة للشعوب، تحكي واقع تآلف الأسرة الحاكمة وتواضعها، وانعكاس ذلك على شعبهم الذي أحبهم فأحبوه. وخلال فترة النقاهة التي قضاها الراحل في المغرب حظي باهتمام أخيه خادم الحرمين الشريفين الذي زاره في موقف إنساني خلده التاريخ، كأعظم ما يكون الوفاء بين الإخوة". يحكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله، في موقف سابق "لن أنسى تقديم الملك عبد الله العلاج لي بيده الكريمة، الإسلام دين تراحم وتلاحم وسلام لا دين حد ولا إرهاب". تلك كانت الكلمة الارتجالية التي ألقاها الأمير سلطان بن عبد العزيز مساء يوم الثلاثاء الرابع من شهر جمادى الآخرة من عام 1425 ه الموافق ل11 من شهر يوليو عام 2004. عند استقباله في قصره في الخالدية في جدة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني الذي قدم للاطمئنان على صحته، واستقباله لرئيس مجلس الشورى السعودي الدكتور صالح بن حميد ورئيس الديوان الملكي السابق الأستاذ محمد النويصر والوزراء وكبار المسؤولين ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق أول ركن صالح المحيا وكبار ضباط القوات المسلحة والحرس الوطني وقادة القطاعات الأمنية بوزارة الداخلية الذين قدموا للسلام عليه وتهنئته بالشفاء والاطمئنان على صحته. استوقفت هذه الكلمة الحضور ومتابعيها عبر التلفاز لما حملته الكلمة من معان عبرت عن الوفاء الذي يكنه الجميع للأمير سلطان ومشاعر الحب المتبادلة بين القيادة والشعب ترجمتها زيارة الملك فهد بن عبد العزيز لأخيه الأمير سلطان في المستشفى وما تركته من صدى عنده وعند الشعب السعودي، إضافة إلى الزيارات اليومية التي كان يقوم بها الملك عبد الله بن عبد العزيز لأخيه الأمير سلطان في المستشفى ولعل أجملها وأكثرها وقعاً على نفس الأمير سلطان تلك الزيارة التي قدم فيها الملك عبد الله للأمير سلطان العلاج بيده الكريمة. واعتبر الكثير من المتابعين أن كلمته الارتجالية تضمنت وحملت معاني كثيرة وعبرت عن الوفاء المتبادل والحب الكبير الذي يحمله قادة وشعوب العالم لولي العهد من خلال السيل المنهمر من الزيارات والاستفسارات والمكالمات أثناء تواجد الأمير سلطان في المستشفى. كما أعطت للمتابعين أن ولي العهد حتى وهو يرقد على السرير الأبيض كان متابعاً لهموم الأمة والوطن، فقد تحدث عن العنف والإرهاب الذي تعرضت له بلادنا على يد بعض الخارجين من أبنائها ممن غرر بهم واستغلوا أسوأ استغلال، ونجح الآخرون في استخدامهم كأداة لتنفيذ مخططات إجرامية وإرهابية بأفكار مضللة، كما حملت كلمته، رحمه الله، إشادة بجهود رجال الأمن والحرس الوطني والقوات المسلحة في سبيل دحر الفئة الضالة وتناولت الكلمة العفو الملكي لعودة المنتمين لهذه الفئة إلى رشدهم وتسليم أنفسهم، مفيداً بأن الوطن مفتوح للجميع، كما أن القلوب مفتوحة لكل من عاد إلى الحق. وتطرق الأمير سلطان في كلمته إلى الأحداث التي تشهدها الساحتان العربية والإسلامية وركز على ما يجري في أرض فلسطين داعياً الإخوة هناك إلى تحكيم العقل وتوحيد الصفوف لمواجهة عدوهم وألا يدعوا مجالاً للأعداء للتشفي بهم والشماتة عليهم. وجاء نص الكلمة الارتجالية للأمير سلطان كما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله القائل في محكم التنزيل (ولئن شكرتم لأزيدنكم) والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. إخواني الحضور الأعزاء.. أحييكم بتحية الإسلام الخالدة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً بكم وأنتم تغمرونني بنبل سجاياكم.. ومرحبا بكم جميعاً، قدمتم من كل حدب وصوب، للاطمئنان على صحتي، بعد أن من الله علي بالشفاء على أثر العملية الجراحية التي أجريت لي أخيراً. أحمد الله حمداً كثيراً, وأشكره على آلائه ونعمه الجزيلة، أحمد الله أن ابتلاني ليختبرني, أحمد الله على أن أصابني بعارض لأتذكر إخوتي ممن هم على فراش المرض، وأشكره عز وجل بأن خصني برجال أمثالكم ما إن هممت بالدخول للمستشفى إلا وأفاجأ بذلك السيل المنهمر من الزيارات، والاستفسارات، والمكالمات. فلكم مني جميعاً من الشكر أجزله، ومن التقدير أبلغه، ومن الوفاء والعرفان ما يليق بأهل الوفاء أمثالكم. أيها الإخوة الكرام.. في الوقت الذي كانت فيه فترة قضاء الأيام بالمستشفى لحظة امتحان أمام الخالق البارئ عز وجل، إلا أنها كانت في نفس الوقت لحظات تأمل وتفكر وتدبر فنحمد الله أن خصنا بالإسلام, وجعلنا أسرة واحدة، حاكماً ومحكوماً، يرحم كبيرنا صغيرنا، ويوقر صغيرنا كبيرنا. لقد كانت الخطوات الجليلة لسيدي وأخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز عندما خطاها لزيارتي في المستشفى وقعاً كبيراً في نفسي وفي نفس أبنائي أثلجت صدري، وأزالت هم الألم عني وهو الذي يؤتى ولا يأتي، وتأكد لي ذلك من صداه الرائع لدى هذا الشعب الأبي، أسأل الله أن يكتب له الأجر، مقروناً. أما سيدي وأخي الملك عبد الله بن عبد العزيز فقد غمرني بفيض مشاعره، ونبل مسلكه، وطيب معشره، بعدة زيارات يومية, منتظمة وغير منتظمة، أنستني مرضي، وأشغلتني عن همومي، وكانت أرقاها وأجملها وقعا إلى نفسي تلك الزيارة التي قدم لي فيها العلاج بيده الكريمة.. لقد ترجمت تلك الزيارات معنى الأخوة الحقة، وأكدت عمق الترابط الصادق الحميم، رغم مشاغله كنت سأكتفي بزيارة أو اثنتين، ولكن كان إصراره على المتابعة والزيارة يؤكد لي يوميا أن هذا ديدنه مع كل مواطن ومسؤول على حد سواء، أسأل الله جلت قدرته أن يجزيه عني خير الجزاء. أيها الإخوة الكرام.. إن تفقد إخواني أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب المعالي الوزراء والفضيلة العلماء، وسائر أفراد الشعب السعودي الكريم بزيارات متتالية تركت في داخلي شعورا عميقا بالامتنان والتقدير. فلكم مني جميعا خالص الشكر، مع الدعاء بطول العمر. لقد كان لي شرف الالتقاء بإخوة أعزاء وأصدقاء أوفياء, من ملوك وأمراء ورؤساء ووزراء لدول شقيقة، وصديقة، تجشموا متاعب السفر، جاءوا للاطمئنان على صحتي، فلهؤلاء الإخوة والأحبة أقولها شكراً من الأعماق، شكراً على الحضور، وشكراِ على الزيارة، سائلاً الله تعالى أن تجمعني بهم مناسبات أفراح قادمة. أما أصحاب الجلالة والفخامة ملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة الذين هاتفوني فقد غمروني بفيض مشاعرهم, فلهؤلاء الإخوة والأصدقاء أقول أسأل الله أن يجنبكم كل سوء ومكروه.. وشكراً جزيلاً على كل ما عبرتم عنه من مشاعر. إن هذه البلاد الطاهرة، كبيرة بكم، وبشعب مخلص وفي مثلكم، بادرني بالمحبة الصادقة، والوفاء والإخلاص، إن ذلك العطاء المتدفق من مقالات راقية, وعناوين بارزة, وقصائد معبرة, وتهانٍ بأجمل المعاني.. لتؤكد وبكل فخر أننا أسرة واحدة، في بيت كبير، تربينا على الإيمان بالله، والإخلاص له، يجمعنا الإسلام، وحدنا الإله، وتوحدنا في هذا الوطن.