أرسل لي أحد القراء الكرام مسودة خطاب يتنحى فيه عن دوره كرب لأسرة كبيرة، فاستشعرت الخطر وقررت أن أقوم بخطوات استباقية واسعة داخل محيط عائلتي الصغيرة قبل أن تجبرني حرمنا المصون وأولادها المشاكسون ومن ورائهم الخادمة والسائق على الرحيل من البيت، فأنا لا أضمن استمرار صبرهم الطويل على أسفاري المتواصلة وبقائي لساعات أمام جهاز الكمبيوتر ناهيك عن سهري المستمر عند أصدقائي. وما يزيد مخاوفي أن حرمنا المصون تتمتع بما يمكن أن نسميه (صمت البراكين) فهي تنحاز دائما لهدوئها الشديد وتفضل أن ترد على أعذاري الواهية بابتسامة صامتة، والبركان يصمت مائة عام ولكنه حين يخرج عن طوره يحرق الأخضر واليابس ويحيل القرى إلى ركام، كما أن أولادها مهما توددت إليهم وأغدقت عليهم العطاء فإنهم موالون لها وهم معها (على الحلوة والمرة).. وكذلك الحال بالنسبة للسائق والخادمة اللذين لا يقيمان أي وزن لتعليماتي ولا يأخذان التوجيهات إلا من المدام رغم أنني أنا الذي أدفع راتبيهما من حر مالي. لذلك قررت طائعا مختارا أن أتخذ سلسلة من المبادرات أولها التزامي بإحاطة أم العيال علما بجدول أسفاري بصورة دورية منتظمة، وأن أتعامل معها بمنتهى الشفافية فيما يتعلق بدخلي المتواضع لأنها كثيرة الاستغراب من إعلاني حالة الإفلاس حين تطلب بعض الأشياء المتعلقة بحاجات البيت في الوقت الذي أدبر فيه ميزانية السفر بين عشية وضحاها!. أما نجلنا الأكبر الذي رفضت بشكل قاطع أن أشتري له جهاز بلاك بيري لأنني أرى أن هذا الجهاز المفتوح على العالم لا يتناسب مع صغر سنه، فقد قررت تسوية الأمر معه وشراء هذا الجهاز اللعين له عن طيب خاطر، خصوصا بعد أن اكتشفت أنه يملك ما لايقل عن 20 بريدا إلكترونيا أقرضني واحدا منها حين واجهت مشكلة مزمنة مع بريدي أعاقت وصول مقالاتي إلى الصحيفة بل إنه تدخل لحل مشكلة بريدي كي يستعيد بريده، يومها قال لي بخبث الصغار: (إذا طلبنا شي قلتوا تراكم صغار وما يصير تعرفون شي ما يصلح لكم .. وإذا بلشتم قلتم دبرونا)!. اما الابن الثاني فهو الشخص الوحيد الذي لن يشعر بخطورة الوضع حتى لو انقلب البيت رأسا على عقب، لأنه مدمن ألعاب فيديو ويعيش في عالمه الافتراضي الخاص، لذلك فإنه لن يرى أمه وإخوته حين يطردونني من البيت حيث سيكون منكبا على شاشة جهاز الألعاب المحمول، وحتى وإن حدثت المعجزة ورفع رأسه عن الشاشة فإنه لن يقول أكثر من: (يبه جبت أكثر من ثلاثين ألف نقطة)، لذلك يؤسفني أن أقول بأنه سيكون خارج حسبة التسويات ولن أستجيب لمطالبه المتكررة التي تتعلق بشراء رقائق ممغنطة جديدة لتنشيط ذاكرة أجهزته الغريبة المريبة!. طبعا البنت ستكون مع أمها وستكرر عبارتها التي تقولها كلما دبت معاركها مع إخوتها: (تحسبون عشاني بنت ما أقدر أسوي شي)! .. لذلك سوف أتابع بنفسي مسألة الحفاظ على حقوقها المسلوبة وألعابها التي تتعرض لعمليات السطو والنهب بين وقت وآخر. أما الخطر كل الخطر فهو من الابن الأصغر الذي يبحث عن أي لحظة فوضى كي يعيث في الأرض فسادا، بل إنه ينجح في إشعال الفتن حتى في اللحظات التي يكون فيها البيت هادئا والأمور مستقرة، فهو (بلطجي) بالفطرة! .. حيث يسرق أغراض إخوته ويفتعل المعارك الدائمة معهم ويحطم الأجهزة الكهربائية دون سبب، أما حين يستبد به الغضب بسبب عجزه عن مناطحة إخوته الكبار يبدأ بقصف كل من في البيت بالأحذية وكأنه منتظر الزيدي، لذلك سأسعى للتواصل معه بشكل أكبر كي أفهم أسباب انحيازه الدائم للتمرد وعشقه الدائم لإثارة الفوضى!. خلف الحربي عكاظ