قبل استقالة أعضاء المجلس البلدي في نجران كنت أظن أن جميع أعضاء المجالس البلدية قد ابتعثوا إلى سطح القمر لدراسة أسباب انعدام الجاذبية هناك، فالمجلس البلدي في جدة انتظر أسبوعا كاملا بعد كارثة السيول كي يدعو إلى جلسة (طارئة) للتباحث حول الموضوع وهو اليوم لم يجد وسيلة لمواجهة أمانة جدة (اللي ما تعبر أحد) سوى الإعداد لقناة فضائية تعرض مشكلات المدينة ! أما المجلس البلدي في الرياض فهو يتهرب دائما من مهمته الرئيسة ولا يظهر إلا في الأعياد كي يحارب الأفراح ويدعو إلى فضيلة التجهم !، بينما المجلس البلدي في الشرقية فشل في كل صراعاته مع الأمانة وفهم أن المسائل بيد الأمين وحده وكل من لا يعجبه هذا المنطق بإمكانه أن يشرب من مياه الخليج العربي، أما مجلس حائل فقد لوح أعضاؤه أكثر من مرة بالاستقالة الجماعية ولكنهم دخلوا فيما بعد في نزاعات شخصية غريبة أضعفتهم كثيرا، ومجلس عسير يشكو من غياب الأمين المتكرر و(تطنيشه) للجلسات، أما مجلس المدينةالمنورة فقد صدم بتصريح الأمين الذي قال إن قرارات المجلس هدفها التغرير بالمواطنين! وهكذا فإن المجالس البلدية التي انتخبها الشعب وكانت العنوان الأبرز لمسيرة الإصلاح والخطوة الأولى على طريق المشاركة الشعبية فقدت كل قدرة على الحركة منذ أول جلسة عمل، حتى ظن أغلبية الناس أنها غرقت في السيول أو سقطت في حفرة لم يحسن المقاول ردمها ولم يعد يتذكرها أحد، ولو سألت أي مواطن اليوم عن الفارق بين شعوره يوم انتخاب المجالس البلدية وشعوره اليوم لتنهد وقال لك بحسرة: (ياخسارة وقفتي في طابور الاقتراع!) . ولكن بلدي نجران علق الجرس، بل ألقى به في منتصف الطريق وقال: (خذوا جرسكم ما نبيه)، بعد أن أدرك أن الاستقالة وإبراء الذمة أمام الله ثم الوطن قيادة وشعبا أفضل ألف مرة من التحول إلى خيال مآتة لا يظهر إلا في المناسبات العامة وحفلات البوفيه المفتوح! يقول محضر جلسة المجلس البلدي في نجران الذي نشرته صحيفة الوطن إن مجلسهم: (يلمس وجود تحالفات قوية بين المسؤولين في الأمانة وبعض مراكز التأثير في الوزارة التي تشرع أخطاء الأمانة وتعمل على حمايتها)، فقد ضاق هذا المجلس ذرعا بتجاهل ملاحظاته وقراراته ورفض أعضائه أن يكونوا قطعا من الديكور، فقرر أعضاء بلدي نجران الاستقالة وتسجيل موقف يستحق كل التقدير والاحترام فالانسحاب أفضل ألف مرة من التعايش مع العجز وقلة الحيلة! وأخيرا نقول بأن تهميش دور المجالس البلدية سوف يساهم في تردي الخدمات وضياع الأموال العامة واستنزاف الميزانيات والتخبط في المشاريع وتكاثر المناطق العشوائية وتفاقم المنازعات على الأراضي، وكلنا يعرف بأن ما تنفقه الدولة على الجوانب البلدية في أي مدينة سعودية هو أضعاف ما يتم إنفاقه في أي مدينة خليجية حديثة ومع ذلك فإن مدننا تغرق في شبر ماء وكل ذلك بسبب غياب الرقابة على أمانات المدن وبلدياتها.. والمجالس البلدية نصف المنتخبة هي أحد أهم وسائل الرقابة، فلم نفرط بها بهذه السهولة ؟ لماذا نمنح قوى الفساد فرصة عظيمة كي تمر في كل الشوارع! خلف الحربي جريدة عكاظ