طالبَ المنتدى العربي للبيئة والتنمية في اختتام أعماله في بيروت بداية هذا الشهر بعمل فوري لمواجهة أزمة شح المياه في الوطن العربي. ودعا إلى اعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية وقانونية لإدارة الطلب على المياه وتخفيض الهدر ومنع الاستخدام المفرط والملوث للمياه. ولأن المياه ثروة قابلة للنضوب شأنها في ذلك شأن بقية الثروات، فإن حواراً جديّاً ينبغي أن يُثار في كل دولة عربية وعلى كافة الصعد لمواجهة هذه المشكلة التي تهدد المنطقة بأسرها، في ظل عدم وجود بدائل طبيعية للمياه اللهم إلا الاعتماد على تحلية مياه البحر. وحسب مجلة Ecomagination الناطقة بالإنجليزية فإن دول الخليج تستحوذ على ما يقارب 50% من إجمالي عمليات تحلية المياه في العالم! ذلك أن المياه شحيحة، وأن استهلاك هذه الدول للمياه هو الأعلى في العالم! إن الموضوع يثير الرعب ولكن الجميع ساكت ولا يحرك ساكناً! ولقد أوردت المجلة تقريراً لشركة "إيه. تي. كيرني"، جاء فيه أن القطاع المائي في دول مجلس التعاون الخليجي يإمكانه أن يوفر ما مقداره 40% من تكاليفه من خلال إدخال تحسينات بنيوية ومعايير التميز في الجودة. وأشار أحد الباحثين إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تجمع سوى نسبة 50% من مياه الصرف الصحي، وأن هذه الدول مدعوة لإجراء تغييرات بنيوية وتنظيم العمليات من أجل تحسين المردود وتخفيض التكاليف ومكاسب الجودة.
معلوم أن دول الخليج العربية تنتج 50% من إنتاج العالم في تحلية المياه، وتنتج السعودية وحدها 18% من إنتاج العالم من المياه المحلاة، وقد أطلقت السعودية مبادرة وطنية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية بتكلفة إجمالية قدرها 129مليون ريال. ويواجه عدد السكان المطرد في السعودية وحاجتهم للمياه تحديّاً لإنشاء محطات تحلية تصل تكاليفها إلى نحو 70 مليار ريال. أما دولة الإمارات العربية المتحدة فتحتل المركز الثاني عالميّاً في طاقة تحلية المياه بعد السعودية. وحسب المجلة فإن إنتاج الإمارات من هذه المياه في العام الماضي (2009) قد بلغ 9 ملايين و46 ألفاً و824 متراً مكعباً يوميّاً. كما جاء في مؤتمر "المنظمة الدولية لتحلية المياه" في دبي أن دولة الإمارات تعتمد على تحلية مياه الخليج بنسبة 96% للحصول على مياه الشرب. وتبلغ تكلفة المتر المكعب من الماء المحلى نحو 3 دراهم، ويزيد الطلب على المياه بنسبة 10% كل عام. والوضع في سلطنة عمان أخف مما هو عليه الحال مع السعودية والإمارات إذ توجد آبار المياه الجوفية التي تزود البلاد بالمياه العذبة، ولكن العديد من هذه الآبار أخذ في الجفاف بسبب الاستخدام، حيث تنتج محطات السلطنة ما يقارب 20 مليون جالون يوميّاً، وتعتمد السلطنة على الطاقة الشمسية والرياح في التحلية. وفي الكويت لا توجد مصادر للمياه العذبة. وتعتمد الدولة على تحلية مياه الخليج للحصول على الماء العذب، وتبلغ الطاقة اليومية للإنتاج حوالي 285 مليون جالون. وتمثل مياه الصرف الصحي ما بين 70- 80% من استهلاك المياه العذبة. وتصرف الكويت حاليّاً 134 مليون جالون يومياً لا يستغل منها للمعالجة سوى 15% فقط! كما تقدم الحكومة الكويتية دعماً سنويّاً لقطاع المياه يبلغ نحو 786 مليون دولار (عام 2009). وفي قطر خصصت الحكومة 9 مليارات دولار لمشاريع توسعة المياه بالدولة حتى عام 2012. وحسب يوسف كاظم، الرئيس التنفيذي في شركة "بالم يوتيليتيز" فإن النمو السكاني المطرد وتنامي النشاط الصناعي قد تسبب في استنزاف موارد المياه العذبة في العالم العربي. وتنطبق المشكلة على مملكة البحرين أيضاً التي تقع في منطقة الجفاف، ويزيد استهلاك المياه فيها 20% سنويّاً وقد بلغ الاستهلاك أكثر من 125 مليون جالون يوميّاً (عام 2008) وكان الرقم 104 مليون عام (2007)! ويصل إنتاج البحرين إلى 134 مليون جالون يوميّاً مع أنه يوجد نحو 23 مليون جالون من المياه الجوفية التي يمكن استخراجها. إن هذه الأرقام مخيفة! ولابد أن تتداعى جميع المؤسسات كي تدرأ خطر الجفاف والضغط الأكثر على محطات التحلية وتكليف الميزانيات الضخمة. وفي رأينا أن أولى مهام الإعلام في هذه المرحلة هي أن ينبه إلى خطر استنزاف المياه بصورة سلبية ويركز على تربية الأبناء تربية تحثهم على الاقتصاد في استهلاك المياه، بدلاً من التسبب والمشاركة في عملية الاستنزاف لهذه المادة الحيوية. كما أن مدارس التربية والجامعات لها دور مهم أيضاً في تنشئة النشء على خاصية الاقتصاد في هذه المادة المكلفة، حتى وإن كانت مجانية في بعض الدول الخليجية. وقد عرض في شهر رمضان الماضي تحقيق عن كمية المياه التي يستهلكها الشخص الواحد في الوضوء، وعرض المذيع الشقيري تجربة عملية للوضوء توصل خلالها إلى أن الوضوء كاملاً يجب ألا يتجاوز نصف زجاجة من المياه المعبأة! بينما استهلك أحد الشباب خمس زجاجات في وضوء واحد سكب أغلب المياه خلاله على أرضية الحمام. وبالطبع هنالك حالات أكثر في عملية الاستحمام! فبعض أبنائنا هداهم الله يطلقون كامل الرشاش وهم تحته لنحو نصف ساعة يغنون مستمتعين خصوصاً إن كان في السطح (مبرد للمياه)، ولا يوقفون الرشاش! وهذه أولى الخطوات التي لابد أن نعلمها لأولادنا وبناتنا! فحسن استهلاك المياه هو الطريق الأول نحو ضمان عدم نضوب المياه أو انقطاعها عن المجتمع. وهنالك تصرفات غير حضارية أيضاً مثل الإيعاز للخادمات بغسل السيارات في المنزل! ولك أن تحسب كمية المياه المهدورة في هذا الغسيل إن كانت بالمنزل خمس سيارات! وكذلك، هنالك إهمال في ترك صنابير المياه مفتوحة أو غير محكمة الإغلاق! كما يحدث الاستنزاف في ري المزارع أو الحدائق المنزلية من المياه الصالحة للشرب التي تكلف الدولة المليارات. ينبغي أن نتعاون كلنا جميعاً من أجل الحفاظ على هذه الثروة المهمة، لا أن نلقي اللوم على الدولة في هذا الشأن! لأننا كلنا مسؤولون، وكما نحافظ على المياه والكهرباء عندما نؤجر منازل في أوروبا، علينا أن نمارس ذات التحضر ونحن في أوطاننا.