لا أستطيع أن أوجه كلامي القادم لكل قراء جريدة الرياض. عدد من القراء يقرأ الجريدة دون أن يلتفتوا لمقالاتي وهناك آخرون يطلعون على الجريدة دون أن يروا مقالاتي ولا حتى مقالات من هم أفضل مني. آخرون يمرون على الجريدة مرور الكرام. يقعون علي بالصدفة. لكن هناك عدداً من القراء يتابعون ما أكتبه. هؤلاء كتب الله لي ولهم أن نلتقي على مستوى معين من الذوق والتطلع والمغزى من الحياة وهم هدفي من هذه المقالات. سأدخل منطقة ثقافية بعيدة عن زمننا. السحر وآلامه في العصور الوسطى في أوروبا. سأستعرض بعض الاحداث. سآخذ منها ما أراه مسليا ومفيدا. يستحق القارئ أن يطلع على شيء بعيد عن ضجيج اليومي والسائد. بل بعيدا عن القرن الواحد والعشرين ومميزاته. سأعفي القارئ الكريم عدة أيام من الحديث عن الإنترنت ودراسات الخريطة الجينية ونشاط هيئة الأمر بالمعروف وأبحاث النانو وكل ما يسم القرن الواحد والعشرين من تطور وعظمة. سنترك هذا العصر المضيء وننتقل إلى ما عرف بعصور الظلام. تاريخ طويل وعريض مليء بالآلام والأحزان والجهل والخرافة. تمنيت كثيرا أن يقرأ طلاب المملكة شيئا من هذا التاريخ في مناهجهم الدراسية. لولا أن الحقيقة دامغة لما صدق أحد أن اوروبا التي نعرفها الآن يمكن أن يكون ذاك الزمان تاريخها. ل ن يقدر أي عقل أن يتخيل أن هذه الأمم التي تؤمن بالعلم والعقل والمستقبل ولدت من تلك الأمم التي خيم الجهل ورجال الدين على مفاصل الحياة فيها قروناً طويلة. أقل وصف يمكن أن يصف به إنسان العصور الوسيطة في أوروبا التالي: ((إنسان ذاهل وأحادي التفكير، و متعصب دينياً، معتدٍ على من يخالفه في الرأي، و يحتقر النساء، ويؤمن بالغيبيات، ويكره التطور و العلم، ويفسر ظواهر الحياة تفسيرا خرافيا. اعتاد على اتهام خصومه بالزندقة والكفر والمروق من الدين والتآمر)). كل ما قرأته حتى الآن عن العصور الوسطى الأوروبية يلخصها هذان السطران التي نشرت في موسوعة وكيبيديا على الإنترنت مع ما أضفته عليها. سيشكل هذان السطران مصباحا منيرا لفهم ما يأتي من حديث عن السحرة والسحر والمآسي الإنسانية التي لحقت بالناس آنذاك. موضوع السحر والسحرة يقلقني كثيرا ويقلقني أكثر أن كل المتهمين في كل المجتمعات بالسحر هم من الطبقة الفقيرة أو الطبقة الضعيفة أو من النساء. لم تكشف السجلات أبدا أن أياً من أبناء الذوات أو الأغنياء أو النافذين أو المثقفين أن اتهم بالسحر. الشيء الثاني أن قضية السحرة ومطاردتهم قضية تختص بها القوى الدينية بامتياز لا يشاركهم فيها قوى الأمن الأخرى. وقعت على كتب كثيرة عن السحر في العصور الوسطى الأوروبية. انتقيت منها كتابين مهمين يتكاملان لتغطية جوانب من تساؤلاتي. بالإضافة إلى هذين الكتابين هناك عدة مواقع على الإنترنتت لجأت إليها عند الحاجة. على كل حال سيكون الحديث بسيطا ووديا وقابلاً للمراجعة ولا يلزم أحدا. تذكروا دائما أن ما سوف نقرأه يتحدث عن خمسة قرون خلت. لا علاقة له بالحاضر. سأتوقف عندما أرى النعاس قد دب في عيون القراء أو اعترضتنا عقبات لا يمكن القفز عليها أو أن ينتزعني حدث لا يمكن تجاهله. يارا السحر والسحرة واتهام النساء صحيفة الرياض