نشرت العديد من الصحف خبراً عن أن الرئيس السابق حسني مبارك ينوي توجيه كلمة إلى الشعب يطلب منه السماح، ويعتذر له فيها عما بدر منه من أخطاء كارثية طوال فترة حكمه التي اقتربت من ثلاثين عاماً، وأن الصحفي الكبير الشهير الذي يعكف على كتابة الاعتذار سيعمل جاهداً على ألا يكون مهيناً لمركز الرئيس السابق وسيركز فيه على إلقاء الاتهامات جميعها على المستشارين من ناحية وكذلك نقص المعلومات من ناحية أخرى، وإن صح ذلك، فكأننا نقوم باستنساخ كلمة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي التي وجهها للشعب التونسي بنفس المعنى. وفي الآونة الأخيرة دارت نقاشات متعددة على مختلف الأصعدة داخلياً وخارجياً حول جدوى محاكمة الرئيس السابق وعائلته، وترددت نغمة نشاز تحاول اللعب على وتر الأزمة الاقتصادية الخانقة لمصر وأن استعادة الأموال المنهوبة ستكون مجزئة عن المحاكمة، وإلى غير ذلك من التبريرات التي يحاول أصحابها الاكتفاء بمحاكمة صبيان الرئيس السابق وتحميلهم وحدهم مسؤولية جميع الأخطاء، والمسامح كريم يا شعب مصر الطيب الصابر.
الذين يطالبون بالعفو عن مبارك وأسرته هم بالطبع شركاء في الفساد ويعلمون أن محاكمته سوف تفتح الباب على مصراعيه لمحاكمة من هم دونه من الفاسدين، وأن الدور سوف يأتي إليهم لا محالة، ولذلك فنغمة "خدوا الفلوس والمسامح كريم" هي التي تسود الساحة المصرية في الوقت الراهن، على أساس أن ما يسري على مبارك وأسرته سيسري على جميع اللصوص من مختلف الأحجام، وبذلك تتوقف موجة المحاكمات ويفلت كل سارق بما سرق.
وعلى كل حال، فإن الشعب المصري لن يغير عاداته العاطفية الأزلية وسيسامح حسني مبارك وأسرته، ولكن شريطة أن:
يعيد مصر إلى ما كانت عليه قبل أن يتولى حكمها وإفسادها، يعيد للشباب الذين شاخوا في معتقلاته أعمارهم التي سرقها، يعيد لأرض مصر التي تفشى فيها سرطان أسمدته، نقاءها، يعيد للمصري عزة النفس التي تسبب في إهدارها، يعيد لساكني القبور إنسانيتهم التي أمر بنسيانها، يعيد للأطفال الهائمين على وجوههم في الشوارع بحثاً عن لقمة العيش، براءتهم التي وأدها، يعيد للمجتمع المبادئ والقيم والأخلاق الكريمة التي اجتثها، يعيد لمصر وجهها المشرق وشمسها المضيئة التي عمل جاهداً على حجبها، وأخيراً يعيد لمصر مكانها الحضاري الذي كانت تستحقه في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وقد كان مؤتمناً عليها، فسرقها. عادل الجوهري - محام ميدل ايست أونلاين