المُحاماةُ فنُّ الحُجَّة ، والجدل ، والبرهان ، والإقناع. المُحاماةُ عريقة كالقضاء ، مجيدة كالفضيلة ، ضرورة كالعدالة. قال تعالى:" ومِمَّنْ خلقْنا أُمَّةً يهدُون بِالحقِّ وبِهِ يعدلون". ليسَ من عملِ المُحامين المُخلصين قلب الثوابت ، أو تضليل الحقائق ، فليس عمل المحامي الفصل في النزاع ، إنَّما هو عملُ القاضي. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :" الظُّلم ظُلماتْ يوم القيامة ". وقال عليه السلام:" استعيذُوا باللهِ من الفقْرِ والعَيْلَةِ ، ومن أنْ تَظْلِمُوا أو تُظْلَمُوا". العدلُ ضوءٌ مُشِعٌ ، بنورهِ يُضاءُ العدل ، فإذا ساد النظام ؛ ساد السلام ، وإذا تأخَّرتْ العدالة فهذا نوعٌ من الظُّلم ، فابذل لعدوِّك عدلك ، كما قال ابن المُقفَّع. المُحامون اليوم وحدهُم هُم الذين يُحسنون السكوت ، فهُم أقلّ الناس كلاماً ، فقبل أنْ تكون المحاماة مهنة ، فهي فنٌ ، ومن شروط القانون لديهم العدل والمساواة. قبلَ أنْ يكونَ المُحامي مُحامياً ، فهو إنسان ذو قيمة ؛ بعيداً عن المال والقُدرات والإمكانات والإنجازات والمنزلة والجاه والمنصب ، أو الانتساب لِعظيم ومشهور. لكنَّهُ في نفس الوقت ، يستطيع أنْ يضيف لنفسهِ قيمة أُخرى ، وقيمتهُ الأُخرى فيما يُحسنه وهو العدل ، بعيداً عن الزيف أو النرجسيَّة. قال تعالى:" يرفعِ اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات...". نعم. الله عزَّ وجل كرَّم الإنسان وفضَّله ، لكنَّهُ يرتفع أكثر عند الله بإيمانهِ وعلمه ، فهذا "طه حسين" رجلٌ أعمى ، أصبح عميداً للأدب العربي ، وذاك " الرافعي" الذي كانَ أصمَّاً ، استطاع أنْ يُخلِّد اسمه في سجل الخالدين ، كذلك " عبَّاس محمود العقَّاد " الذي يُعدُّ من أكثر الكُتَّاب العرب كتابةً وتأليفاً ، وهو لم يتجاوز المرحلة الإبتدائية في تعليمه النظامي.. جميعهم أضافوا لأنفسهم قيمة إضافيَّة. ما الذي جعل من زبَّال فقير أعجمي يؤم ويقود مواطنين ودكاترة وأطباء ومسؤولين في الصلاة؟! إنها القيمة المُضافة التي أضافها لنفسه ، وهي حفظه للقرآن الكريم ، وقدرته على قراءته وتلاوته بصوتٍ رائع وجميل. كذلك أنتم " أيُّها المحامون" وطِّدوا علاقتكم بالجوانب الأربعة : الله ثُمَّ الذات والآخرين والأشياء ، فكُلَّما ربط المحامي معرفة القانون بخالق القانون وتوكَّل عليه ؛ كان النجاحُ أقرب وأقصر وأسلم. القوانين على المستوى البشري هي من تضبط السلوكيات الإنسانيَّة ، وتحفظ استتباب الأمن في الحياة ، وتمنع المتمردين من أنْ يصولوا ويجولوا بنزعاتهمً وشهواتهم الشيطانيَّة على الآخرين. المحامي بنفسهِ قيمة غالية بحد ذاته ، وذات شأنْ رفيع ، وإذا ما فقدها ، فقد قيمته أمام نفسه وأمام الآخرين ، فليكُن العدل نصب عينيه ، فقانون الطبيعة هو الغريزةًالتي تجعلنا نشعر بالعدالة ، ولا يُمكن تصنيع العاطفة أو تنظيمها في بيت القانون.