تحتفل كثير من دول العالم في الخامس من أكتوبر من كلّ عام بيومِ المعلمّ؛ إذ صار من المتعارف عليه اعتبار هذا اليوم يوما للمعلينّ والمعلّمات، يُكرَّمونَ فيه، ويُحتَفى بما قدّموه لأممهم وما بذلوه لشعوبهم، وما أنجزوه في سبيل رفعة أوطانهم وازدهارها. ولعلّ هذا اليوم، بما يحمله من معانٍ رمزية عميقة، لا يمثّل يومًا للمعلّم فحسب، بل هو يومٌ للاحتفاء بالعلمِ، والإخلاص، والتفاني، والتضحية، والعطف، وغيرها من قيم إنسانيّة صارت صنوًا للمعلّمين والمعلّمات، ورموزا تشير إلى ما تحمله رسالتهم من معانٍ رسّخوها بعزمهم، وإخلاصهم، ليقطفوا ثمارها أجيالا نيّرة، تشاركُ في تعزيز رفعة الوطن وترسيخ عزّته، وتنهض بأسس نموّه وازدهاره. اليومَ، وكلَّ يوم، يستحقّ المعلّمون والمعلّمات منّا أن نقدّم لهم تحيّة اعتزاز وتقدير لجهودهم المباركة، وعطائهم الخيّر، بما يجسّد تقدير المجتمع لدورهم الهامّ في تنشئة الأجيال، وامتنانه لرسالتهم النبيلة، و عرفانه لما حملوه على عاتقهم سنوات طوال من مسؤولية، حتّى صحّ أن نتمثّل فيهم قوله سبحانه وتعالى:" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " فالمعلمون والمعلّمات أشجارٌ طيّبة راسخةٌ، تضرب جذورها عميقًا في تاريخ هذا الوطن، وثمارُها هذا النشءُ المبارك الذي ينهض بالمجتمع رفعة وازدهارًا، حاملًا إرث من سبقوه، أجيالًا تتلو أجيال. إنّ الشعوب لا تنهض، ولا تحقق شروط رفعتها وازدهارها إلا بالعلمِ، وإنّ المعلّمين والمعلّمات هم من تعوّل عليهم الشعوب في تحقيق نهضتها، وهم من تتوسّل بهم الأمم للحفاظ على منجزاتها الحضارية، ومصالحها الحيوية. واستشعارًا لهذه الأهمية فقد أولت قياداتنا الحكيمةُ – حفظها الله – المعلّمين والمعلّمات جلّ اهتمامها، فكان التعليم دائما أكثر القطاعات التي تحظى بالدعم، وكان المعلّمون موضعَ رعايةٍ واهتمامٍ مستمرين منذ تأسيس المملكة إلى اليوم، وهو ما عكسته رؤية المملكة 2030 التي أكّدت أنّ التعليم النوعي الذي نعوّل عليه لتحقيق رؤيتنا الطموحة لا يقوم إلا عن طريق تعزيز دور المعلّم ورفع تأهيله، وإعداد المناهج التعليمية المتطوّرة المرتكزة على المهارات الأساسية وتطوير المواهب وبناء الشخصية، فالمعلّم يمثّل أداة هامّة في إحداث التغيير الإيجابي، وسيلته في ذلك منهاج مناسب، وأساليب تعليم فاعلة، وفلسفة تعليمية تتبنّى أهدافا وخططا واضحة. أيّها المعلّمون والمعلّمات، إنّ كلا منّا اليوم، على اختلاف مواقعنا ووظائفنا في هذا الوطن المباركِ، فيه من نورِ علمكم وحكمتكم قبسٌ، وفيه من حُسنِ خُلُقِكم أثرٌ، فقد كنتم، وستبقون إن شاء الله، نماذج على الإخلاص في العملِ، أمثلةً على القدوة الحسنة، مُلهمين في تسامحكم، محفّزين على حبّ العلم، مؤكّدين دائما جدارتكم بأن تحملوا هذه الرسالة العظيمة، لتكونوا بحقّ ورثة الأنبياء. فتحيّةً لتفانيكم، وجهدكم، والتزامكم، وإخلاصكم، وتحيّة لصبركم الجميل على غرسكم؛ إذ تبدأ مسيرةُ العلمِ معكم ابتسامةَ أملٍ على ثغور طلابكم الصغار، ثمّ تغذّونها بنور قلوبكم، وفكر عقولكم، لتكبرَ وتتّسع وتصير شمسا تنير دروب الآخرين علماً وأملًا وتبني مستقبل الوطنٍ الذي احتفى بكم أمس، ويحتفي بكم اليوم، وسيحتفي بكم غدًا إن شاء الله.