الخطاط محمد أمجد الفائز بجائزة سوق عكاظ للخط العربي لهذا العام، ينتمي كما يقول لأسرة احترفت الخط، وبدأ شغفه بالخط العربي منذ وقت مبكر متأثرا بأخيه الخطاط عبدالرحمن أمجد. وفي هذا الحوار يوضح أمجد أنه يميل إلى المدرسة العثمانية في الخط أكثر من غيرها، مؤكدا أن الخط العربي صار له شأن واتسعت دائرة انتشاره، كما أن تسويقه بات أمرا ميسورا. ويبدي أمجد ثقته في استمرار الخط العربي كفن بالرغم من دقة الخط الحاسوبي مبينا أن الكمبيوتر لا يمكن أن يلبي الرغبات الفنية والجمالية لمحبي الخط العربي. متى بدأت عملك في الخط ؟ لعائلتي دور رائد في خطاي الفنية والمهنية فقد نشأت في أسرة كل أفرادها لهم هوايات وحرف فنية يدوية تعتمد على الدقة والإتقان ، وترعرعت موهبتي وازدهرت معها مواهب إخوتي جميعاً في فنون أخرى إبداعية ، فلي إخوة وأخوات خطاطون وفنانون احترفوا الخط ، فوالدي يهوى فن النجارة ونحت الخشب وتطريز الملابس وكان يمتهن هذه الحرف وقد اكتسبت الدقة اليدوية منه، وأخي يحترف الرسم والجرافيكس والإخراج –الطباعي والتصوير الفوتوغرافي ، وأخي الآخر يهوى الإخراج المرئي والمسموع والهندسة الصوتية ، والكل يشجع الآخرفي مواهبه فضلاً عن حفظ الأسرة كاملة لكتاب الله الذي نسج هذه المواهب حول مائدته بالنسبة للتعليم فقد أنهيت تعليمي المدرسي الابتدائي والمتوسط والثانوي في مكةالمكرمة ، حتى التحقت بجامعة أم القرى . وبدأ شغفي بالفنون الإسلامية مبكراً منذ الطفولة من خلال أسرتي ثم تأثرت بفن الخط بخطوط شقيقي ومعلمي الخطاط عبدالرحمن أمجد الذي كان بمثابة دليل لي وهو كان متأثرا بأخي الأكبر عبد الحي أمجد وكلاهما تأثر بخطوط عمي الخطاط الشيخ عبد الملك أمجد أحد تلاميذ الخطاط المصري الشهير محمد البرنس خطاط المسجد الحرام، انجذبت لخطوطهم الثلاثة وأعجبت بها وتأملت أعمالهم . وكانت تشدني كتابات الخطاط العبقري الشهير حامد الآمدي رحمه الله فبهرني خطه فأخذت أقلده وقمت بتطوير قدراتي خاصة خط جلي الثلث الذي عشقته من خلال النماذج الخطية لكتابات خطاطي القرن التاسع عشر والقرن العشرين التي تضمها مكتبة أخي عبد الرحمن امجد ، وفي المرحلة المتوسطة كان لمعلم التربية الفنية دور في تشجيعي وكان يسند إلي جميع الأعمال الخطية في المدرسة حتى أصبحت خطاط المدرسة ، ولا زالت لوحة المدرسة الخارجية موجودة بخطي . وكنت خطاطاً لزملائي أعمل لهم دورات في الخط في الإجازات الصيفية حتى تعلق زملائي بهذا الفن الجميل .وفي هذه المرحلة بدأت تعليمي الفعلي بالتدريب المكثف وكنت ألتقي بالخطاطين الكبار وأعرض عليهم كتاباتي وتارة أذهب إلى المدينةالمنورة للقاء خطاط الحرم النبوي الشريف لعرض أعمالي عليه ،وكنت أطلع على نماذج من لوحات كبار الخطاطين وأتعمق في دراستها ، وأكسبتني هذه المرحلة إتقان خط الثلث من فترة مبكرة وشاركت في المسابقة الدولية لفن الخط العربي باستانبول وحصلت فيها على أول جائزة دولية في ذلك الوقت )مكافأة في خط الثلث ( وكان عمري آنذاك 12 سنة ، ثم فزت بمسابقة المملكة التي تقيمها وزارة المعارف بالمركز الأول لثلاثة سنوات متتالية وقبلها فزت بالمركز الثالث في المسابقة نفسها، وعلى إثرها دعيت إلى مشاركات في معارض جماعية عدة للخط العربي. أين درست ؟ نشأت وسط أسرة فنيه كل أفرادها لهم هوايات مختلفة وكان جو الأسرة مفعما بالفنون ، تعلمت الخط وراثي اً إن صح التعبير ، وجدت نفسي بين القلم والحبر والورق والمصادر والمعلم المختص ، فكان لأخي الخطاط عبد الرحمن أمجد ولجميع اخواني الفضل بعد الله في وصولي إلى ما أنا عليه ، فقد تتلمذت على يديه منذ الطفولة ولازلت، وكنت قد التحقت بدورة صيفية في الحرم المكي الشريف عند الأستاذ مختار عالم فتعلمت منه مبادئ خطي الرقعة والنسخ .وبفضل البحث المستمر والتعمق و التأمل الدائم استطعت أن أرتقي بوعيي وإدراكي إلى مراحل عالية ولله الحمد ، ثم بعد فترة تعرفت على الأستاذ حسن جلبي من تركيا حفظه الله وأمد في عمره وبدأت آخذ منه الثلث والنسخ على أصول وقواعد فن الخط العربي بطابعه التقليدي الكلاسيكي وتعرفت على الكثير من الفنون المصاحبة لفن الخط واطلعت على آثارهم ومجموعاتهم الخاصة ، وكان للأستاذ أحمد ضياء بالمدينةالمنورة _ رئيس هيئة التحكيم الدولية لفن الخط باستانبول _ وشفيق الزمان خطاط الحرم النبوي الشريف الدور الكبير في توسعي في مجال الخط ،.وغيرهم من أساتذة الخطوط والفنون والأكاديميين ،واستفدت من خبراتهم وتجاربهم ،كما عكفت على دراسة وتدقيق خطوط وأعمال كبار الخطاطين الأقدمين وأصبحت ملماً بدقائق الخطوط وتفاصيلها حتى تمكنت من تطعيم أسلوب مماثل للمنهج الأصيل من حيث صور الحروف والمتانة والاسترسال والصقل ومفهوم التراكيب الخطية الأصيلة في فن الخط . وبعد هذه المرحلة تواصلت مع أساتذة آخرين مثل الأستاذ داود بكتاش والأستاذ محمد أوزجاي وأخيه عثمان أوزجاي من تركيا وغيرهم كثير ممن لهم شأن في عالم الخط العربي . كما تشرفت بتلقي التدريب على أيدي أشهر الخطاطين في العالم وذلك بمركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية ) إرسيكا ( باستانبول حتى نلت الاجازة العالميه في هذا الفن . ماهي المدرسة التي تنتمي إليها؟ فن الخط مدارس متعددة ومتشعبة وأنواعه أيضا متعددة ، المدرسة العربية البغدادية، والمدرسة الشامية، والمدرسة المصرية ،والمدرسة العثمانية، وكلها مدارس عريقة لها تاريخها ومميزاتها، وقد تشربت في بداياتي هذه المدارس المتعددة ، وكنت أميل إلى المدرسة العثمانية وتعمقت فيها أكثر من غيرها. كيف تقرأ مستقبل الخط العربي؟ أصبح للخط العربي شأن كبير واتسعت دائرة انتشاره ، وأصبح يحوز إعجاب الناس في كل بقاع الأرض على كافة المستويات ، فصار تسويقه ميسور اً، وارتفعت قيمة اللوحات الخطية بشكل ملحوظ بغض النظر عن محتوى النص ، حتى باتت تدخل في أشهر صالات العرض في الغرب مما دفع الخطاطين إلى زيادة الإنتاج والإتقان وشجع على تعلم الخط وممارسته ، كسباً للمنافع التي لم تكن مجدية كثيراً من قبل .ثم حصل تحسن ملحوظ في نوعية العمل الخطي ، من حيث الإتقان وإخراج اللوحة ، ومن ثم أصبحت اللوحة الخطية ذات مظهر راق ، وبطبيعة الحال زاد عدد المعارض المحلية والدولية على مدار السنة في أغلب البلاد العربية والإسلامية ومنها تركيا ، وفيها يجتمع خيرة الخطاطين من أنحاء العالم ، سواء بأنفسهم أو بأعمالهم ، بهدف تبادل الخبرات واكتسابها ، كما أن أ‘مال الخط صارت تسوق في المزادات العالمية في أوروبا وتركيا وغيرها ، وكل هذا انعكس على الخط العربي اهتماما وإقبالا. هل شاركت في خياطة كسوة الكعبة ؟ أعتقد أن الكتابة على كسوة الكعبة المشرفة أمنية كل خطاط معاصر في العالم وأن يكون خطه فيها وتعلق على أقدس بيت لله تعالى في الأرض وهو شرف كبير لمن حظي بالكتابة فيها أسال الله أن يمن على بهذا الشرف العظيم . هل يواجه الخط تحديات من خطوط الكمبيوتر ؟ نتيجة لمواكبة المجتمعات لتطورات الحياة اليومية والعصرية وتفاعلها معها أصبح الكمبيوتر والكتابة بواسطته مهدداً لعمل الفن وتلقائيته وانطلاقه اللا محدود وراء صور لا تنتهي للحرف العربي وتشكيل الكلمة العربية ، صحيح أن حروف هذا الكمبيوتر مأخوذة من كتابات خطاطين مبدعين لكنها في صورتها الآلية تصبح جامدة ثابتة غير قابلة للتطور ، أما من حيث الوظيفة فلكل منهما مهمته فالخط العربي فن جميل يقصد منه إبراز جماليات تشكيل ورسم الحرف العربي ، وأما الحروف الطباعية الحاسوبية ، فهي امتداد لحروف الطباعة التي تستخدم لأغراض تجارية ، ولا يمكن أن تقدم خطوط الكمبيوتر رغبة الفنان الخطاط في إبراز الجماليات وإضفاء سمة جمالية من خلال الخطوط المبرمجة فيه والتي ظهرت تشكيلات جديدة لا علاقة لها بفن الخط العربي ، كما لا يخشى على الخط العربي من الخطوط الحاسوبية . من هم أشهر الخطاطين الذين تعلمت على يديهم؟ أساتذة الخط الذين تعلمت على يديهم كثيرون وتتفاوت نسبة الاستفادة من خطاط لخطاط وأخص بالذكر هنا الذين تأثرت بهم أكثر ، منهم أخي وأستاذي عبد الرحمن أمجد والشيخ حسن جلبي والخطاط الشهير داود بكتاش الذي تأثرت به كثير اً وأساتذة كثيرين التقيت بهم . كيف تلقيت خبر فوزك بجائزة سوق عكاظ ؟ بتوفيق من الله كانت لي مشاركات في مسابقات محلية ودولية وحصلت على المركز الأول على مستوى المملكة ثلاث مرات متتالية وبعدها حصلت على جائزة دوليه في المسابقة الدولية بتركيا وقبلها حصلت على جائزة دولية أخرى في مسابقة بنك البركة الدولية بتركيا ، كما حصلت أيضا جائزة المركز الأول على مستوى الخليج العربي بدولة الكويت وبعدها جائزة دوليه أخرى في تركيا في المسابقة الدولية )ارسيكا( ، ورغم حصولي على هذه الجوائز فإن جائزة سوق عكاظ تعتبر الأهم ولها مكانه خاصة في نفسي . لكونها تحتل مكانه كبيرة بين الجوائز العالمية وتحمل الموروث التاريخي والثقافي. فهي نشوة الاعتراف ومسؤولية جسيمة ألقيت على عاتقي وأعطتني الثقة في النفس لإبراز الشخصية ، وقد بدأت ألاقي كثيراً من الاعتراف من خلال هذه الجائزة . فالجائزة في نظري تكليف أكثر منها تشريفاً ، .أضافت إلي الكثير وحفزتني على الاستمرار في العطاء والإنتاج وزادت في الطموح .، واعتبرها وسام شرف على صدري ، ولا أملك سوى الشكر للمملكة العربية السعودية ولصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وصاحب السمو الأمير فيصل بن عبد الله وكل من له علاقة بهذه الجائزة ماذا ستصنع بالجائزة ؟ هذه الجائزة منحت لي ثقة كبيرة في النفس وزادت في طموحي إلى المستقبل وحفزتني للمشاركات والتطلع إلى الأفضل وتحقيق أمنياتي المستقبلية لبيت الخطاطين بمكة وتطويره فيما ينفع الجيل الحالي من الشباب لنشر ثقافة هذا الفن . كم تستغرق في كتابة خط واحد ؟ كتابة اللوحات الخطية تختلف من خط لآخر ، فخط الديواني مثلا من أسهل الخطوط لا يستغرق وقتا طويلا ومثله الرقعة والنسخ عكس الثلث الجلي فإنه يستغرق وقتاً وجهد اً كبيرين . ويمر بمراحل عدة ، مرحلة التركيب ، ثم تجويد الحروف ، فالتنفيذ وأخير اً المرحلة النهائية وهي الرتوش وقد تستغرق شهوراً ، بالإضافة إلى أنني أتصف بالتنظيم المفرط في العمل والحرص على النظافة والإحساس بها ، ولا شك أن معظم اللوحات التي أخطها ذات مضامين ونصوص عالية القيمة من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة لذا فإنني أعتبر هذا العمل تشريف لي وخدمة لديننا العظيم . ما رأيك في الخط الأندلسي ؟ الخط الأندلسي متشعب ذو التركيب المنظوم في مساحة هندسية لها مواصفاتها الفنية من حيث القاعدة والنهاية والقمة وله خصائصه uالتي تختلف كلياً عن الخطوط الكلاسيكية المعروفة والمنتشرة واختلط على العامة بينه وبين بعض خطوط الكمبيوتر التي تحمل نفس المسمى ، وله عناية خاصة عند أهل المغرب العربي من حيث قواعده وموازينه ونظمه ، وله مذاق خاص في جمالياته . هل نحن في حاجة لتعلم الخط العربي ؟ نعم في حاجة لتعليم الخط ، بل الواجب علينا نشر ثقافة هذا الفن للحفاظ على قواعده وقيمه الفنية وحمايته من العبث في أصالته فهو هويتنا وموروثنا الإسلامي يجب أن ننقله للأجيال القادمة وتنمية حبه لدى الناشئة ، وهناك إجماع بأن فن الخط الآن قد بدأ يشهد نهضة خطية ملحوظة في كل الأقطار العربية والإسلامية . هل هناك مدارس متخصصة في ذلك؟ للأسف لم يعد هناك مدارس متخصصة تولي اهتمام اً بهذا الفن العريق إلا بعض الدورات الصيفية القليلة هنا وهناك التي لا تتجاوز مدتها الشهر ، بعد أن كانت مادة أساسية في التعليم تساهم في تنمية مهارات الطلاب في الماضي ، وأتمنى إنشاء مدارس خاصة لهذا الفن للنهوض به والعمل على نشر وغرس قيم وثقافة هذا الفن للناشئة والموهوبين لرفع مستوى الأداء لديهم ، وأذكر هنا جهود ومبادرة كريمة من صاحب السمو الأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم في إنشاء معهد دار القلم في المدينةالمنورة كمركز ثقافي وفني لتدريب الخط العربي ورعاية الموهوبين ونشر ثقافته ، وهو الآن يقوم بدوره على أكمل وجه كأول مركز متخصص في المملكة العربية السعودية ، أسال الله أن يبارك له هذا العمل الفريد وان يمد عمره في خدمة هذا الفن العريق .