نستطيع أن نطلق على التسول ظاهرة وليس مجرد مشكلة محددة لتفشيها في المجتمع، فنحن نرى المتسولين في الشوارع والأسواق والمستشفيات وعند إشارات المرور وفي المساجد، وبلا شك أن تلك الظاهرة تعتبر مظهرا غير حضاري وتعد تشويها لواجهة البلد واستدرارا لعطف المحسنين، وأصبحت وسيلة سهلة لكسب المال والاستزادة منه؛ كيف لا ونحن نراهم مثلا يداومون يوميا في نفس المكان ولساعات طويلة عند إشارات المرور من الساعة السادسة صباحاً إلى الساعة الحادية عشرة مساء، هل هؤلاء هدفهم الحاجة أم الزيادة؟ وفي اعتقادي أن حصول المتسول على مبلغ عشرة ريالات يومياًيكفيه لقوت يومه، وهذا المبلغ يمكن تحصيله في بضع دقائق، أما المكوث بشكل يومي لجمع مبالغ كبيرة، فهذا ما لا ينبغي فعله لأن سؤال الناس أموالهم والتكسب بالمسألة تكثراً محرم شرعاً وإهدار لكرامة الإنسان وذهاب لماء وجهه في الدنيا والآخرة. ومن صور التسول ما نجده في المستشفيات الخاصة حيث يطلب المتسول من المراجعين شراء علاج له من صيدلية المستشفى لعدم قدرته المالية ثم يرجعه للصيدلية ويستلم المبلغ، وآخر يتسول لتوفير قيمة المادة المخدرة فيدعي مثلا أن سيارته في الورشة ونقصت عليه 100 ريال لاستلامها، وآخر يخطب في المسجد خطبة مؤثرة لاستجلاب عطف الناس عليه ويتنقل من مسجد لآخر، روى لي صديق وزميل عمل سابق وهو إمام جامع في جنوبجدة أن متسولا صغير السن ألقى خطبة بعد صلاة العشاء ملخصها أن والده مريض لا يعمل وأخته الصغيرة لا يوجد لديها حليب فتأثر الجميع مما قال وتصدقوا عليه وجلس معه الإمام وأخبره أنه سوف يخصص مساعدة شهرية لأسرته وعندما طلب من المتسول أن يدله على منزل والده رفض وشك الإمام في الأمر وطلب منه المبلغ الذي جمعه بعد هذه الصلاة لأجل عده وحلف بالله الإمام أن مجموع المبلغ خمسة آلاف ريال جمعها فقط في فرض واحد والجامع يقع في أحد الأحياء الفقيرة والمكتظة بالسكان في جنوبجدة، رافقه الإمام إلى منزله وتفاجأ أنه مكتظ بالمتسولين من كبار السن والأطفال وهدده رئيسهم بالقتل إذا لم يتركهم يسترزقون - على حد تعبيره. علينا نحن أفراد المجتمع التكاتف فيما بيننا وعدم إعانة هؤلاء على امتهان التسول للقضاء على هذه الظاهرة التي شوهت مجتمعنا.