بسم الله الرحمن الرحيم رحم اللهُ سمحَ المحيا الشيخَ صالحًا ابن محمد الصرامي قال الله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) هذه سنة الله في خلقه حياة ثم موت، ثم بعث ليوم الحساب، وسفينة الأيام تجري وفي كل يوم يستكمل عدد من الناس آجالهم، ويرحلون من هذه الدنيا, فالسعيد من يرحل بزاد من التقى والعمل الصالح وبصدر وقلب سليم، طلبًا لعفو ربه ومغفرته ورضوانه. وهذه الدنيا كما وصفها الشاعر ابن المعتز: ألا إِنَّما الدنيا كظلِّ غَمَامةٍ إِذا ما رجاها المُستظِلُّ اضمحلتِ فلا تَكُ مِفراحًا إِذا هي أَقبلتْ ولا تَكُ مِجزاعًا إِذا هي وَلَّتِ إن الرحيل عن الدنيا لحظة لا بد منها مهما طال الأمد، فحبيب يفارق محبوبه، وعزيز يودع أحبابه ففي يوم السبت 24/4/1441ه أديت الصلاة على الشيخ صالح بن محمد الصرامي بعد صلاة الظهر في جامع الراجحي بالرياض، وقد اكتظ المسجد بجموع غفيرة من المصلين يلهجون بالدعاء والمغفرة والرحمة والمنزلة الرفيعة له عند ربه، ثم تبعه بعد الصلاة كثير من المشيعين لمواراة جثمانه في مقبرة النسيم بالرياض. كان الشيخ صالح - رحمه الله - قد ترّبى في بيت علم وكرم وصلاح وتقوى فأبوه وجده عالمان كبيران، فأما جده الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصرامي فقد كان قاضيًا للدلم وضواحيها في بداية تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - وأما أبوه الشيخ محمد بن عبدالعزيز الصرامي فقد كان أحد طلبة العلم في مدينة الدلم، وكان ضليعًا في علوم الشريعة واللغة العربية وإمامًا لمسجد (الفرخة) بالدلم. وقد أثرت هذه النشأة العلمية على الشيخ صالح وأخيه عبدالعزيز - رحمهما الله - في طلب العلم، وقد درس الشيخ صالح القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في كتاتيب مدينة الدلم قبل التعليم النظامي، ومن أبرز هذه الكتاتيب التي تعلم فيها مدرسة الشيخ أحمد بن عبدالله بن عتيق رحمه الله , كما درس على يد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز عندما كان قاضيًا بالدلم. ومن أبرز أعمال الشيخ صالح الوظيفية هو توليه إدارة مدرسة ابن عباس بالدلم (المدرسة الأولى الابتدائية بالدلم) لعدد من السنوات, وقد كنتُ أحد طلابها بالثمانينات الهجرية, وكان قائدًا تربويًا محنكًا بتعامله التربوي الراقي وأسلوبه المتميز مع المعلمين والطلاب، وكان محبوبًا ومقدرًا ومحترمًا في نفوس معلمي المدرسة وطلابها. وكانت المدرسة خلية نحل من العمل والأنشطة اللا منهجية التي تتمثل في النشاط الثقافي والاجتماعي والرياضي، ويتم توزيع طلاب المدرسة على أسر بأسماء الخلفاء الراشدين أو أحد الصحابة رضوان الله عليهم، ويشرف على كل أسرة أحد المعلمين المتميزين في النشاط. ويتم التنافس بين الطلبة بهذه الأنشطة بما يشغل وقتهم وبما يعود عليهم بالنفع والفائدة؛ لأن مبنى المدرسة يساعد على ذلك فهو المبنى المسلح الوحيد في مدينة الدلم في ذلك الوقت. ومن أنشطته الاجتماعية - رحمه الله - توليه منصب نائب رئيس نادي الشرق بالدلم. ثم انتقل بعد ذلك إلى العمل في وزارة الحرس الوطني والقصر الخاص لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - حتى أحيل للتقاعد ولقد حبا الله الشيخ صالحًا - رحمة الله - صفاتٍ جميلة وخصالاً حميدة، فهو معروف بهدوء الطبع ولين الجانب وطيب المعشر، ورحابة الصدر والخلق الكريم. فلا تراه إلا مبتسمًا هاشا باشا. ومن سعادة الإنسان في هذه الحياة أن يمنحه المولى رحابة الصدر والاستئناس بمن حوله من أقارب وجيران ورفاق درب في مضمار حياته خاصةً إذا استمر التواصل مع أحبته، وجميع صحبه؛ فإنه يسعد في حياته ويمضي سنوات عمره مرتاح البال، والشيخ صالح من أولئك الرجال الذين يتصفون بهذه الصفات، وكما قال الشاعر: إذا أحب الله يومًا عبده ألقى عليه محبة الناس ولقد كنت أزوره في منزله بحي الروضة بين الفينة والفينة، فكان - رحمه الله - يستقبل زواره هو وأولاده البررة برحابة صدر وحفاوة وكرم. وكان يؤنس زواره بحديثه الشيق الممتع، وكان يسأل عن محبيه ومعارفه من أهالي الدلم، ويطمئن على صحتهم وأحوالهم. وفي الختام أسأل الله - عز وجل - أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أبناءه البررة عبدَالله وسعدًا وعبدَالعزيز وخالدًا ومحمدًا وأهله الصبر والسلوان. د. زيد بن علي الدريهم وزارة التعلم العالي سابقا