بقعة جذابة التقت فيها الحضارات، ونقوش تروي قصة طريق التجارة القديم الذي يعكس أهمية اقتصادية كبرى، وبقايا آثار ترمز للقوة والنماء لمكان اشتهر قديمًا بالصناعات الحربية كالمنجنيق والدبابات.. إنه موقع جرش الأثري بمنطقة عسير، الذي يختصر حضارات الماضي بين ثناياه. بدأت منذ 1431ه رحلة التنقيب لكشف أسرار الموقع العتيق، والتي كان آخرها ما كشفه رئيس قسم العناية بالتراث الوطني بمنطقة عسير المهندس عبد العزيز آل غانم من اكتشاف آثار تعود ل3000 عام، وبقايا من حضارة حِميَر، خلال التنقيب في موقع جرش الأثري. اكتشافات ضمت ملامح حضارة إسلامية تتمثل بوجود مسجدين (الأول من الفترة العباسية، والثاني بعدها)، وقطع أثرية متنوعة لفترات تاريخية مختلفة قبل الإسلام وبعده، وتنقيب يظهر حصن جرش الأثري، الذي يتشابه مع موقع الأخدود بنجران في ضخامة جدرانه وأسلوب بنائه. أين تقع جرش؟ تقع مدينة جُرش الأثرية بين موقع جبل حمومة الأثري وجبل شكر بمحافظة أحد رفيدة (15 كيلومترًا جنوب منطقة عسير)، تفصل عن محافظة خميس مشيط، ومركز الشعف بينها وبين مدينة أبها، وتحدها محافظة خميس مشيط من الشمال، ومن الغرب والجنوب الشعف، ومن الجنوب الشرقي محافظة سراة عبيدة وكذلك من الشرق. يتخذ الموقع شكلًا مستطيلًا مميزًا، وتمتد على طوله من الجنوب إلى الشمال تلال أثرية، تتركز كثافتها في المنتصف، وفي الجهة الشرقية توجد بالموقع جدران ذات صخور كبيرة الحجم، يصل طولها إلى 80 سم وعرضها إلى 60 سم. أسرار ملقتى الحضارات سحر موقع جرش وأسراره كان الدافع وراء اهتمام علماء الآثار عالميًّا ومحليًّا به خاصة مع الاكتشافات الأخيرة لمعثورات أثرية لحضارات قديمة، وهو يمثل مرحلة الحضارات المكتشفة قبل الميلاد، واستمر الاستيطان فيه إلى الفترة الإسلامية، وهو موقع تجاري وصناعي واقتصادي قدَّم خدمة كبيرة لتجارة العبور التي كانت تمر بالشرق عبر طريق التجارة القديم، كما اشتهرت جرش بحرفة صناعة الأدم (دباغة الجلود). وتنوعت المعثورات الأثرية بين الأواني الزجاجية والمصنوعات الحجرية، وأوانٍ فخارية من فترة ما قبل الإسلام، إضافة إلى نقش على صخرة لأسد وثور مكتوب أسفل منهما بخط المسند، وقد نُفّذ هذا الرسم بالحفر البارز، ويرمز إلى النماء والقوة التي كانت تتمتع بهما مدينة جرش آنذاك. وعثر في الموقع على قطع قليلة من البرونز تمثل مسامير وقطع لحام أوانٍ، ومن أهم هذه المعثورات قطعة عملة غير واضحة، ويبدو أنها تأثرت بالعوامل الجوية في المنطقة، مما أدى إلى فقدان المعلومات التي عليها. دخول الإسلام دخلت جُرش الإسلام في السنة العاشرة من الهجرة، وتواصل العطاء الحضاري لها، إذ اشتهرت بصناعة المنجنيق والعرادات وما كان يُعرف باسم الدبابات.