من يقف على أطلال «جرش» حالياً، التي تحتضنها محافظة أحد رفيدةجنوبيخميس مشيط، قد لا يصدق ما تحتفظ به الوثائق وكتب التاريخ على صفحاتها من حضارة موغلة لهذا الموقع، والتي تنطق بقاياه الصامدة منذ فترات قبل الإسلام إلى يومنا هذا عن تلك الحضارات المتعددة التي قطنت المكان، فضخامة الجدران المتبقية، وأسلوب البناء، يدل على القوة والمناعة والهندسة والحضارة، إضافة إلى ما وجد على إحدى صخوره من رسم منفذ بالحفر البارز لأسد ينقض على ثور، وكتب تحته بالخط المسند عبارة «ثورن نعمن وأسدن ملقا»، والتاريخ المحتمل لهذا النقش هو القرن الأول الميلادي. وللموقع دلالاته الحضارية، لأن هذا الرسم يرمز إلى النماء والقوة، وهو يمثل رمز مدينة جرش في تلك الفترة، وكان لهذه المدينة من واقع المكان وبقاياه وما يحيطه دور حضاري كبير في خدمة التجارة ما قبل الإسلام، لوقوعها على الطرق التجارية الرئيسية بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها، فيما ذكرت المصادر أن العواسج من أشراف حمير قد سكنوها، واشتهرت بصناعاتها الجلدية والحربية ومن ضمنها المنجنيق والعرادات وما كان يعرف باسم الدبابات، كما كانت جرش معروفة في فترة البعثة النبوية كونها مركزاً تجارياً مهماً، وقد أسلم أهل جرش في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. «الرياض» وقفت على أطلال تلك الحضارة ووثقت أعمال التنقيب واستعادة تفاصيل المكان، التي تقوم بها هيئة السياحة العامة والتراث الوطني منذ سنوات بعد أن أخذت على عاتقها استعادة الحضارات المتعددة التي مرت بهذا الموقع. وأشارت معلومات هيئة السياحة أن الموقع يتصف بأنه مستطيل الشكل بمساحة حوالي (306 X 430م)، وتمتد على طول الموقع من الجنوب إلى الشمال تلال أثرية، تتركز كثافتها في المنتصف، وفي الجهة الشرقية توجد بالموقع جدران ذات صخور مشذبة وكبيرة الحجم، يصل طولها إلى 80سم وعرضها إلى 60سم، وتشابه ضخامة الجدران بالموقع وأسلوب بناؤها لما هو موجود في موقع الأخدود بمنطقة نجران. دلائل الاستيطان وأوضح مدير عام مركز البحوث والدراسات الأثرية بالهيئة د. عبدالله الزهراني: أن الكشوفات الأثرية أظهرت دلائل لاستيطان بشري في شمال ووسط الموقع منذ ما قبل بداية العصر الإسلامي إلى الفترة العباسية. وأضاف: كشفت الأعمال الميدانية التي تقوم بها فرق من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، لثمانية مواسم ماضية، كثير من الظواهر الأثرية، منها حصن جرش، والكشف عن أساسات لمسجدين؛ مسجد كبير مبني فوق مسجد أسفل منه، ويعودان لفترة إسلامية مبكرة أساساتهما من طوب الآجر، بنيا فوق أساسات الحصن الذي يعود لفترة ما قبل الإسلام. الموسم التاسع للتنقيب من جانبه، أشار مدير فريق التنقيب عبدالعزيز اليحيى: أن في الموسم الحالي الذي يعتبر التاسع لأعمال التنقيب تم اكتشاف القنوات المائية المحاذية للمسجد الإسلامي القديم، وذكر أنه في هذا الموسم سيتم العمل عليها من خلال المساحة المحددة للبحث تقارب 100م2، مضيفاً أن الموقع عمل به فريق أجنبي لموسمين، عقبه فريق سعودي متخصص في أعمال التنقيب، وقد بينت تلك الأعمال أن الموقع يحتضن مسجد بني على فترتين، المسجد القديم وجدد بأحدث، ولا زالت معالمه قائمة. وقال: حاولنا المحافظة على الكثير من الأعمدة وسيتم إعادة تأهيل كافة المكتشفات بشكل مناسب، وهناك معروضات من أدوات في طور التنظيف والمشغولات الحجرية و وأدوات الطهي والمواد العطرية، وقد تنوعت المعثورات الأثرية بين الأواني الزجاجية والمصنوعات الحجرية، وأوانٍ فخارية من فترة ما قبل الإسلام، إضافة إلى النقش. بقايا من الحضارة كما عثر الفريق في الطبقات السفلى من الموقع خلال مواسم التنقيب الماضي على أجزاء من أوانٍ فخارية على أشكال مختلفة تمثل جرارًا وطاسات وأكوابًا متوسطة الحجم صنعت جميعها من عجينة لونها أحمر إلى أحمر فاتح أو بني، مسامية، صلبة ويظهر على بعضها طلاء بالمغرة الحمراء، وجاءت الزخارف إما مصبعة أو حزوز أو منقطة أو خطوط متموجة، كما توجد زخارف هندسية تمثل مثلثات أو دوائر، وبعضها على هيئة شبكية، أما الصناعة، فقد تمت بواسطة عجلة الفخراني (الدولاب)، وتشابه ما عثر عليه في موقع الأخدود بنجران من حيث لون العجينة والزخرفة. وتم العثور في الموقع أيضًا على فخار الفترة الإسلامية في الأجزاء الشمالية الشرقية والوسطى من الموقع على عدد من القدور والأواني الفخارية. جانب من القنوات المائية المكتشفة حديثاً اليحيى يتحدث للزميل الأحمري (عدسة/ فهد الفيفي) من مكتشفات التنقيب أحد أساسات أعمدة المسجد من بقايا الأدوات المستخدمة قديماً بالموقع