محافظة الخرج بكل مدنها وقراها، محافظة تراث عريق، يشهد بمكانة هذه المحافظة وأهلها وتاريخهم وحبهم لتراثهم وحرصهم الشديد على حمايته والمحافظة عليه، وذلك لإدراكهم أن تراثهم يمثل هوية وطنية وقيمة مادية ومعنوية لا تقدر بثمن ، وإرثاً كبيراً تركه الأجداد للأحفاد، وأنه صورة حية لما كانت عليه القيم والأخلاق والتعامل والتعاون والتآخي والجد والجهد المخلص والعطاء والإبداع للأجيال السابقة التي صنعت بدمها وعرق جبينها هذا الإرث العظيم. إن التراث يعني كل ما ورثه الأبناء من أجدادهم: من فكر وعادات وتقاليد وقيم وأدوات وفنون وأدآب ومفاهيم وحكم وأمثال ومناسبات وكيفية الاحتفال بها وشكل ومراسم الاحتفال، بل أيضاً حكايتهم المأثورة وطريقتهم في تقديم الفنون الشعبية وألعابهم وشكل وتصميم مدنهم وقراهم؛ من تصميم وأبعاد، والكثير من رويتهم لوطنهم وأمتهم، وأشكال العلاقات الإنسانية والاجتماعية، ومفهومها، وطريقتهم في التعبير عن الفرح أو الحزن، وأيضاً لغتهم ولهجتهم،وشتى نواحي حياتهم الإنسانية كما أن أهمية التراث في حياة المجتمع كبيرة وخطيرة ، حيث أنه هو التاريخ والهوية والبعد الذي يميز المجتمعات عن بعضها، وهو أيضاً أداة من أدوات تكوين فكرها وعقلها وأفكارها وثقافتها، كما أنه لا يعني التخلف عن ركب الحضارة والتقدم أو الجهل عن مواكبة الجديد بل العكس هو الصحيح، فمن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له. إن التراث من أهم الملامح المحددة لشخصية الإنسان وعاداته وثقافته وميوله ورؤيته الشخصية والمجتمعية وطريقة تواصله مع الأخر، لذلك يجب الحفاظ على التراث وتعريف النشء الصغير به منذ سنواته الأولى وزرعه فيه سواء من خلال الأسرة في سنوات التنشئة والتربية الأولى وأيضاً المدارس حيث أن يكون الإنسان شديد التمسك بتراثه وبمعرفته والاندماج فيه ، من الصعب اجتذابه إلى ثقافات رديئة وسيئة أو دخيلة أو الثقافات الرديئة ،أما الإنسان غير الملم بثقافته وتراثه فمن السهل اجتذابه والإيقاع به في تلك الثقافات الرديئة الغريبة، مما يسهل فيما بعد القضاء على هويته الحضارية والتراثية، وبعده على ثقافته الأصلية ، وأيضاً يأتي دور الدولة في الحفاظ على التراث وتنميته والتأكيد عليه لأنه جزء لا يتجزأ من أمنها القومي ومن منظومة الحفاظ على وجودها والتأكيد على أصالتها وعلى منع أفرادها من الانزلاق في ثقافات بعيدة عنها أو سيئة من الممكن أن تؤدى في النهاية إلى تلاشيها وفقدها تراثها الاجتماعي والثقافي أو تقويض المجتمع أو العبث بأركانه الأساسية من مفاهيم وعادات اجتماعية وحياتية . لقد سررت كثيرا، حيث ينوي شباب مثقف ومخلص ووفي لتراثه، في مدينة الدلم،عاصمة محافظة الخرج -التي تشم منها رائحة التراث من مسافات بعيدة- عقد اجتماع تشاوري لتأسيس جمعية أهلية للتراث في الدلم، بهدف خدمة التراث في الدلم ونشره والمحافظة عليه والتوعية والتثقيف بأهميته، ولا شك أن مثل هذا العمل الوطني يجب أن يقدر ويشجع ويدعم من قبل كل أفراد وهيئات ومؤسسات المجتمع في المحافظة، بل وعلى كل المستويات في عموم ربوع الوطن، خاصة من قبل رجال المال والأعمال وهيئة السياحة وجمعيات التراث والثقافة والفنون ووزارة التعليم ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية ومراكز التنمية والأندية الرياضية وغيرها من الجهات ذات العلاقة. فهل لدينا أغلى من تراثنا العريق وأفضل من قيام شبابنا على خدمته؟! د. هلال محمد العسكر كاتب أكاديمي