بين الروح والجسد بين الروح والجسد عالم فسيح بعيد الأرجاء واسع الفضاء، حاول الإنسان قديما أن يغوص في الأفلاك والمجرات والنجوم مكتشفا وباحثا ودارسا، وكانت الدراسات النفسية الإنسانية أبعد مايخطر في خيال العالم، غير أن الدراسات الحديثة رجحت كفة الدراسات الإنسانية باعتبار الإنسان هو عامر الكون وهو خليفة الله في الأرض، ووجد العلماء أغوارا فسيحة ومجالات خصبة في هذا المخلوق الذي كرمه الله... ومن هذه الجهود العلمية برزت على السطح قضايا شائكة كان على رأسها : الجسد والروح، وكيف يحدث التوائم بينهما؟ وما الذي يغذي كلا منهما؟ إن نظرت إلى أحوال الناس تجد أن الجسد قد أخذ نصيبا وافرا من الاهتمام والعناية، فالمظهر وجماله والأكل بصنوفه والرياضات والهوايات ونحو ذلك مما يثري جانب الجسد، أما جوهر الإنسان فهو الروح التي يسمو بها عن الرذائل وبها يكتسب الفضائل، ولذا فإن الإسلام أولاها عناية ورعاية، وسن ماينهض بها ويشد ساعدها، فأمر بالصلاة في اليوم خمسا بصور متعددة جهرا وسرا ليلا ونهارا فردا وجماعة سنة وفرضا، وجعل الخشوع فيها شعارا ودثارا، ذلك لتسمو صلاتنا بروحنا، ولتكون وصلة بين عبد ورب، فترقى النفوس وتصفو من كدر أرقها وأسهرها.بل أعجب من ذلك حين جعل هذه الشعيرة بلسما يلطف المصائب ويروض ثورتها ويوقف حدتها تأمل قوله:(واستعينوا بالصبر والصلاة) كما جعل هذه الصلاة في مكان خاص وشرع قبلها طهارة من الحدثين، ورتب أجرا وافرا على أدائها، ولم يقف أثرها على أدائها فحسب بل جعلها حفظا وأمنا لمن أقامها إذ يكون في كنف الله ورعايته وذمته.. ولن يشغل المسلم عنها شاغل حتى لونازل عدوه واعتلت الرماح وتكسرت النصال على النصال وتعانقت الخيل برؤوسها فلامناص عن الصلاة.. وفي أدائها صورة أخاذة تكشف مدى تلاحم المسلمين وتراصهم في وجوه مغرضيهم يشبهون الملائكة في أدائها شكلا ومخبرا.. فيها استماع وقراءة ووقوف وانحناء ونزول إلى الأرض والصاق الرأس بالأرض مناجاة للرب الكريم بأدب وإخبات وسكون ويمناه قد قبضت يسراه، يختصر بهذه الوقفة أقطار الدنيا ويقشعها من فؤاده، لأنه اغتنى بخالقه فأفاض عليه من بركاته، وأدناه من مناجاته وبابه، أجاب ناديها وحاديها:(حي على الصلاة حي على الفلاح) فسبقه قلبه إليها، وعلقه بمحرابه، بهذه الروح نضع الصلاة في نصابها ويتراءى لنا دوما هلالها، والسلف أخذوا من الصلاة روحها وتركوا لغيرهم جسدها، حين تدرك روح الصلاة لاتتعجب من نبي كريم قام ركعة بالبقرة والنساء وآل عمران ولاتعجب ممن أدرك روحها حين قيل عنه : إن دخل كأنه ثوب ملقى لايتحرك!! وهذه الروح لاتجد لها أثرا عند أطفالنا فضلا عن بعض رجالنا، فترى أحدهم يسرق صلاته ويسارع حركاته ثم يهرب بعد سلامه، متضجرا من إطالة الإمام وطول قراءته،ولو استحلى مطعما أو قابل غائبا لأنزل ركائبه وأناخ مطاياه وأسرف في وقته الثمين.. لايأنس اللئيم بالكريم ولايستطيب خبيث طيبا بل إنه يجد من الزلال علقما ومن الحلو مرا.. أرحنا بها يابلال فقد طوقتنا حبائل الدنيا ووقعنا في شركها فاحتوشتنا ذنوب على آثارهن ذنوب وأرهقت كواهنا صفوف في مساجدنا متأخرة وقلوب أما مولاها لاهية ، تأخرنا إليها جافلين وأسرعنا منها فارين تكاد تدخل المسجدا فلاترى منهم خاشعا.. كما أخبر بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم.. ارجع فصل فإنك لم تصل، إلم تحس بطعم فنح وكبر على نفسك أربعا لتقبر مع الغافلين.. إن علينا دائما أن نكشف للناس سر الصلاة ولذتها حتى يدخلوا إليها طائعين وينطلقوا منها فاتحين، اللهم فاجعل الصلاة مهوى الأفئدة السارحة وغذاء النفوس العاطشة، وبلسم الجراح النازفة، وقبلة الأعين الدامعة. محمد بن عامر الصويغ