تخيلوا معي المشهد التالي : لو أن رجلا قاد سيارته وذهب يسلك طريقا , ولكنه لم يضع في باله إلى أن يتجه ولا يعرف إلى أي وجهة يريد , بل يظل يمشي ويمشي , ينعطف مع كل منعطف , ويتوقف عند أي عقبة , ولايعبأ بطول الطريق أو قصره بل سيظل على حالته وطريقته !!! لا أظن أن احد منكم سيعتبر حالة هذا الرجل عادية , بل سيوصم بالجنون وسفه العقل ونقص القدرات العقلية !! ماذكرته هو صورة مصغرة وأنموذجا بسيطا لواقع حياة الكثير من الناس الذين يولدون ويموتون ومابين الميلاد والوفاة سنوات وعقود من الضياع والتشتت والتخبط في أودية الدنيا بلا هدف محدد أو خطة إستراتيجية أو برنامج عمل , بل يكون رهين المصادفات وأسير المفآجات , تصنع حياته وتنسج مستقبله وتحيك مستقبل أيامه بشتى الألوان والخيوط المبعثرة حتى تتشكل لنا في النهاية لوحة لاتكاد تجد فيها مايسر الخاطر ويبهج الناظر إلا ماندر . ما أروع أن يكون لدى الإنسان هدفا أو مجموعة أهداف , يسعى إليها , يتجاوز كل العقبات من اجلها , يشيح بناظريه عن كل ماقد يفت في عزيمته , لايتلفت لأي مخذل قد يزرع في مخيلته صور من الوهن , ولايعبأ بكل ناقد هدفه من النقد تحطيم الشخصية , ويمضي قدما جاعلا هدفه هدفا يصل إليه وكأنه في سباق مع الزمن , وهو كذلك في سباق محموم ترافقه ثقته بالله واعتماده عليه وماحباه الباري من قدرات ومواهب , حتى يصل راضي النفس قرير العين مرتاح البال , وإنعم به من مصير , وإسعد به من حال , إن كان ماسعى إليه محمود شرعا , جميل عرفا , رائع عادة , والمهم والاهم سعيد آخرةّ ومنقلبا !! وهذا لاينافي العقلانية في اختيار الهدف والمرونة في صناعة الخطوات , والعمل وفق القدرات المتاحة , ومحاولة البحث عن فرص جديدة ومبتكرة تسهل الطريق وتساعد على بلوغ الهدف . ( هدفك حلو ) هذا هو شعار الملتقى الماتع الذي سيقام في رحاب نادي الإبداع الخامس في مقر مدرسة أبي دجانة في محافظة الخرج , وجلست مابين معجب بالفعاليات المقامة , والعنوان العام للملتقى ( هدفك حلو ) , وأخذت أفكر , واطرح على نفسي السؤال التالي : متى يكون الهدف جيدا وحلوا ؟؟ وماهي مواصفات الهدف الذي قد نطلق عليه حلوا ؟؟ وهل كل هدف نصبو إليه ونحققه يعد حلوا بغض النظر عن طبيعته وكنهه ؟؟ أعتقد إن في أذهانكم إجابات شتى , وعبارات مختلفة , ولعلها تجتمع حول محاور رئيسية جوهرية كل يسعى إليها ولا يختلف عليها اثنان , وهي : • أن يكون غاية الهدف رضا الله _ سبحانه وتعالى _ فهي أسمى غاية وأنبل مقصود. • أن يعود بالنفع الدنيوي و الأخروي للفرد , ويا خسارة من أراد بهدفه حظا من الدنيا بخس قليل . • من أجمل الأهداف ماتعدى نفعه للغير وطال خيره للناس جميعا , وهو مايمكن أن نسميه ( الهدف المثمر ) • مرافقة النية الصالحة في كل خطوات الهدف , وأن يكون الهدف الظاهر خلفه هدفا مخفيا يسعى من خلاله الإنسان إلى رفعة شانه وشان الأمة . هذه مجموعة من صفات الهدف الجيد التي ينبغي إن تكون خلف كل هدف نسعى إليه , ولكن دعونا قبل أن نختم المقال إلى أن نستذكر بعض خطوات تحقيق الهدف , والتي أزعم أن من يقرأ مقالي قد أطلع على مئات الصفحات والمواضيع التي تهتم وتناقش بكيفية صناعة هدف , ومن هذه الخطوات : • عليك أولاً أن تقرر ماذا تريد , لتعرف كيف تبدأ • كن إيجابياً وأنت تحدد أهدافك , واستبدل عبارات النفي ( لااستطيع ) بالمحاولة الايجابية (أحاول ) . • قسم أهدافك , إلى وحدات صغيرة تكون في مجموعها الهدف الكبير. • ضع الأوليات أولاّ , كي لايضيع عمرك في الجانب الخطأ . • اكتب أهدافك , فهي تساعد على تحديد الهدف بدقة , وتذكرك إذا نسيت . • لا تستخف بنفسك وقدراتك , وأعط لنفسك الفرصة , فهي قادرة _ بإذن الله _ . • كن محددا لأهدافك , ولا تصبح فريسة للفوضوية . • اجعل أهدافك قابلة للقياس , لكي تعرف مستوى تقدمك . • اجعلها قابلة للتحقيق . • الاتصال والانسجام بينك وبين الهدف , لكيلا تتخذ أهدافا بعيدة عن قدراتك . • كن واقعياً , في تحديد الأهداف بعيدا عن المبالغة والخيال . • مراجعة أهدافك . وفي النهاية , الإنسان بشر يخطئ ويصيب وقد يصيبه الفتور والملل من طول الطريق والمصاعب التي ستواجهه حتما , فطريق النجاح محفوف بالمكاره والمشاق , ولابد دون الشهد من إبر النحل , ومن يطلب الحسناء لايغله المهر , فعليه تجديد العزيمة , والتشبث بالمنهج الصحيح , والتوكل على الله , وتخيل النهاية السعيدة التي سيصلها _ إن شاء الله _ إن ظل على هذا الطريق , وقراءة سير الناجحين والمبدعين والعظماء الذين غيروا وجه التاريخ , وأديم الزمن , وصفحة العالم , ومحوا ظلمة الليل بمصباح العمل , وشقوا دياجير الظلام بفؤوس الأمل , رزقنا الله وإياكم حسن الأهداف والمقاصد . إبراهيم العمري