في عينيها بريق رسمه الحزن حين حط رحله في قلبها ، وعلى لسانها عشرات الكلمات المتعثرة وبحلقها غصة حالت بينها وبين أن تفصح عن حالها ! زفرة خرجت من صدرها خشيت أن تحطم أضلاعها .. ثم بكت ... بعدها انطلقت كلماتها متعثرة الخطى وقالت : أحبه .. والله أحبه ولكنه تركني ! تنازلت عن أشياء كثيرة وضحيت بأشياء نفيسة لأجله فقط رغم تحذيرات من حولي ونصحهم لي .. تنفست قليلاً ثم استطردت : أتصدقين أنني بعت ( ذهبي ) حتى أقدمه له دون أدنى تردد .. والله ما شعرت بالندم ولا استكثرت عليه ما أعطيته ! مدت يدها لتلتقط ما سقط منها من دموع وتمسحها بقماش لوعتها .. تنفست ثم أعادت .. بكيت منه كثيراً وبكيت لأجله أكثر فكان جزائي هجره وصده والانشغال عني بأخرى ! ما أقساه من شعور وما أصعبه من احساس أحببته فأحب غيري وآثرته علي وأنا المقدمة فأصبحت في المؤخرة .. كنت أصغي لحديث هذه الأم المكلومة بقلبي وأستشعر حرارة حزنها وحرقة قلبها على قسوة ابنها وسوء تعامله معها بعد زواجه ! تقول : كنت أتنفس قربه ولا أنام إلا بعد أن يستقر على فراشه رغم أنه كان يتأفف من حرصي عليه وخوفي عليه من أصدقاء السوء فكان جزائي البقاء بمفردي في الدور السفلي وهو وزوجته في الدور العلوي .. صمتت قليلاً ثم أكملت : من حقه يا بنيتي أن يعيش كيفما يشاء ولكن يتذكر أن تحته أم تشتاق لرؤيته فلا أراه إلا كل ثلاثة أيام أو تزيد بعد أن أتصل به وحين أبحث عنه يقول ( أنا بعيد ) مع أنني أسمع أصواتهم في الأعلى وحين ينزلون يقول لزوجته ( بشويش ) حتى لا أسمع صوت مشيهم .. تمسح ما علق بعينيها من دموع كانت تسعى لإخفائها ثم تكمل : آآآآه على تلك الأيام التي كان لا يغيب فيها عن نظري رغم أنه كثير المرض ولكنني كنت ( أتلذذ ) بخدمته والسهر على راحته وتجفيف عرقه الذي آلمني به على كبر فقد قال يوماً : ( لا أحب أن أقترب من أمي فرائحة عرقها تؤذيني ) ! مسحت دموعها .. حاولت النهوض قابضة على ركبتها واليد الأخرى على الأرض تستنهض بها جسدها النحيل .. أصلحت غطاء وجهها .. تهدج صوتها .. تحشرجت الكلمات في صدرها .. وقفت والظهر قد احدودب .. مشت بضع خطوات وهي تكلم نفسها في أسى .. أمالت وجهها قليلاً نحوي ثم قالت : ( بكرة يذكروني إذا جاهم عيال ) في أمان الله !