كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الموقف الذي حصل في كلية اليمامة بين رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعارضين البريطانيين، وذلك بسبب اعتراض الهيئة على وجود السيدات ومظاهرالاختلاط والتبرج، ورغم أني لم أحضر الموقف ولا أثق كثيراً بالنقل الإخباري الصحافي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالهيئة، إلا أني أتساءل هل ما قامت به الهيئة – على فرض صحة ما ورد بالصحف - يعّد إنفاذاً أم مخالفة لقوانين هذا البلد، والذي نصّّ نظام الحكم الأساسي على أن مصدرها القرآن والسنة؟. والجواب هنا لا يحتمل الاختلاف، فهو إما نعم أو لا. لقد طالب التربويون، في بعض بلاد الغرب، بنات المسلمين بأن ينزعوا الحجاب في المدارس، وإلا كان مصيرهم الطرد، على اعتبار أن الحجاب رمز ديني، وأن القانون يمنع مظاهر التمييز الديني في المدارس. ففي التعليم الأساسي الغربي يتشرب الفرد احترام الأنظمة والقوانين السائدة في البلد التي يعيش فيها أو يزورها، لذا فإننا نعتقد أن هذا الوفد كان على علم بهذه الأنظمة، أما إن كان لا يعلم فإن الخطأ يقع على الجهة التنظيمية لا الجهات الأمنية والتنفيذية، والتي من ضمنها جهازا الشرطة والهيئة، حيث يتطلب عملهم الوقوف ضد الخطأ مهما كان مصدره بغض النظر عن كون المخطئ بريطانياً أو غيره، فليس لأحد حصانة ضد النظام والقانون إلا ما نص عليه القانون نفسه. بل إن الأمر يتعدى ذلك، فالنظام والقانون نفسه يحاسب هذه الجهات التنفيذية في حال عدم قيامها بذلك، لأن في ذلك إخلالا بواجباتها، ونحن نفترض أن قانون البلد لم يمنع هذه الأعمال إلا لمخالفتها لمصادر تشريعه. لقد عشت في الغرب فترة الدراسة، ورأيت كيف يتقيد الغربيون أنفسهم بكل ما يفرضه القانون أو التعاليم الدينية. فلا تدخل المرأة معظم الكنائس إلا بغطاء الرأس، ولا تصافح القسيس مباشرة، وغيرها من التعاليم التي لا توجد في مدونة القانون لديهم، وإنما كأعراف دينية، فما بالك لو كانت قانوناً يعاقب على مخالفته. انظر إلى الغربيات في أسواق السعودية، ومن يزرنها ويقمن بعقد المقابلات التلفزيونية وهن ملتزمات بالحجاب واللباس الساتر، ولم يسبق لإحداهن أن اعترضت على ذلك لأنه وببساطة هذا قانون البلد الذي ارتضيناه، ولك الحرية في القدوم من عدمه. بل انظر إلى الاحترام الذي تجده السينما الإيرانية، ومشاركتها في المهرجانات الدولية، رغم أن الفتيات المتواجدات في هذه الأفلام ملتزمات بالحجاب. إن القول بأن ما قامت به الهيئة يشوه صورة المملكة لدى الغرب وغيره كلام غير مبرر، فالالتزام بقوانين البلد أحد رموز السيادة، ولا يجب التنازل عنه لمجرد أن الغرب لا يرغب في ذلك، فنحن لن نرضيهم إلا إذا اتبعنا دينهم، كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم، وبحكم معاشرتي للغرب، فإني أعلم أنهم يحترمون الدولة التي تقف صارمة في تنفيذ قوانينها، لذا يسمون رجال السلطة التنفيذية (كالشرط والهيئة لدينا) برجال "فرض القانون". إن رجل فرض القانون عندما ينفذ مهمته لا يأبه، وليس مطلوباً منه أن يراعي المشاعر، أو النفسيات، أو كون الشخص غربياً أو شرقياً، فذلك يقع على عاتق رجال السلطة التشريعية. ولعلي أذكر القارئ الكريم بصورة ذلك الطفل ذي السنوات السبع وهو مقيد اليدين والقدمين على الرصيف في إحدى ضواحي نيويورك، حيث قام رجال فرض القانون (الشرطة) بتقييده بذلك الشكل حينما كان الحي يطبق سياسة تسمى "لا تسامح Zero-Tolerance". وكانت جريمة الطفل هي اللعب بالدراجة اليدوية على الرصيف، وهو ممنوع بموجب النظام آنذاك. لقد ضجت وسائل الإعلام حينها، ولكن لم يكن العتب موجهاً لرجال فرض القانون، ولكن على من فرض هذه السياسة. إن على رجال الهيئة بصفتهم رجال فرض القانون أن يوضحوا للناس ما يعد مخالفات للقانون، ومستندهم النظامي والقانوني في ذلك، ليكون من حقهم بعد ذلك تطبيق وفرض هذه القوانين، "فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، وعلى المعترضين مناقشة القانون والمشرع لا جهات فرض القانون. وفي الختام .. كفانا انهزامية وإتباعا للغرب، فلم يتبق لنا إلا ديننا وتعاليمه، أم تريدون أن تحرمونا منها أيضاً؟. ودمتم بخير..