في مقر نقابتهم بوسط تونس تجمع صحفيون اعتادوا الرقابة الصارمة كي يتأملوا معنى عصر الحرية الذي لم يتوقعوا قدومه قط. وقال الصحفي زهير طابة بصحيفة الحرية المملوكة لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي هيمن على السياسة في البلاد لعقود إلى ان اطاحت الثورة الشعبية بالرئيس زين العابدين بن علي في الرابع عشر من يناير كانون الثاني "تغمر مشاعر السعادة المواطنين ولكنها تمتزج بالقلق." واضاف "ثمة مخاوف كبرى من ان تستثني الصحافة من الثورة وان تنتهج الجمهورية الجديدة نفس مسلك سابقتها تجاه الاعلام." وعلى مقربة من مقر النقابة في فيلا صغيرة ترجع للحقبة الاستعمارية تسمع هتافات محتجين على مشاركة حزب التجمع الدستوري في حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت عقب فرار الرئيس بن علي من البلاد. وحين غادر بن علي البلاد إثر احتجاجات شارك فيها الالاف في شوارع العاصمة استشعر الصحفيون ان آلية السيطرة التي اوجدت ثقافة الخوف على مدار الاعوام الثلاثة والعشرين الماضية بدأت تنهار اخيرا. وادرك الصحفيون في وسائل الاعلام المكتوبة انهم اضحوا احرارا في كتابة ما يرغبون. وبعدما ادان التلفزيون الحركة لاسابيع ووصفها بالعنف والشغب صارت يوم الاحد "ثورة". وغيرت محطة التلفزيون اسمها من المحطة السابعة - تيمنا باليوم الذي تولي فيه بن علي السلطة في نوفمبر تشرين الثاني عام 1987 - إلى التلفزيون التونسي وبدأت تذيع برامج حوارية لا تنقطع تشارك فيها شخصيات معارصة ونشطاء حقوقيون ومفكرون لم يسبق لهم الظهور على شاشات التلفزيون للاحتفال بانتهاء الحقبة الدكتاتورية. واشيد بالجيش بوصفه منقذ الامة لقمعه ميليشيات عل صله ببن علي وسرعان ما تحول الوصف الرسمي من انتفاضة إلى "ثورة الشعب من اجل الحرية والكرامة". بيد ان صحفيين اشاروا إلى ان شبكة كبار الصحفيين والمديرين والرقباء التي شكلها بن علي للسيطرة على وسائل الاعلام لا تزال قائمة في مكانها لذا فلا يمكن البدء الان في اي تغييرات. وقال طابة ان صحيفة الحرية توقفت فجأة عن الصدور في اليوم التالي لمغادرة بن علي. واضاف "جهزنا عدد يوم السبت لكن اليوم التالي لم يطبع ولم نعرف من كان صاحب القرار. في العدد الاخير ايدنا الثورة ونشرنا أن ارادة الشعب تحققت." وفي صحيفة الصباح التي اشتراها صخر الماطري زوج ابنه بن علي في عام 2008 قال الصحفي صالح عطية ان الصحفيين ازاحوا الشخصيات التي تنتمي للنظام واعادوا تنظيم السياسة التحريرية. وقال "اصبنا بصدمة تامة في أول يومين. كنا فخورين لكن خشينا عودة بن علي. خشى الصحفيون ان يتعرضوا للعقاب على ما يكتبونه إن هو عاد." ويوم الاحد اعلن تعيين رئيس مؤقت مما بث في وسائل الاعلام ثقة أكبر. وابلغت الصباح الرقيب الذي يعمل داخل الصحيفة والذي عينه الماطري شخصيا ان خدماته لم تعد مرغوبة. ونشرت الصحف تقارير يومية عن فضائح السيدة الاولى السابقة ليلى الطرابلسي وهي شخصية يمقتها كثيرون بسبب نفوذها الواسع ونمط حياتها المترف. ونشرت صحيفة في صدر صحيفتها صورة تم تعديلها باستخدام برنامج فوتوشوب تصور بن علي وزوجته يملآن صناديق الاقتراع بالدولارات. وقال صحفيون ان بن علي سيطر على وسائل الاعلام من خلال شبكة من الموالين والانصار يوجههم مستشاره السياسي عبد الوهاب عبد الله. واختفى عبد الله وحرقت الفيلا التي كان يقطنها باحدى الضواحي الراقية. وقال عطية "جعل عبد الوهاب عبد الله من وسائل الاعلام التونسية صحراء جرداء لا يهم فيها الا راي بن علي. كانت فكرته انه لا ينبغي سماع سوى صوت بن علي." وكان يجري وقف الصحفيين عن العمل او ينقلون للعمل في وظائف اخرى داخل وسائل الاعلام المملوكة للدولة عقابا لهم عل عدم انتهاج الخط الموضوع. وقال الصحفيون ان شرائح الهاتف المحمول التي وزعتها النقابة مجانا كانت حيلة للتجسس عليهم. وقال عطية "يمكن ان تصبح تونس منارة للصحافة في العالم العربي. نحتاج الان لكتابة منطقية. لا يمكن ان تعكس احاديث الشارع. ينبغي ان نتحرك نحو بناء المستقبل." ولا يزال مبني تلفزيون الدولة يخضع لحراسة مشددة. ويقول العاملون ان كبار المسؤولين التنفيذيين في داخله الذين كانوا ينفذون تعليمات النظام من قبل قلقون بشأن مستقبلهم. وقالت سلوى رزقي ووظيفتها متابعة وسائل الاعلام والانترنت "لا يزال المسؤولون الذين اعتادوا تلقي التعليمات بشان ما سوف يذاع في الاخبار موجودين. لكن يعملون تحت ضغط من الصحفيين الذين يريدون مزيدا من الحرية." وتعترف رزقي بانها كانت عضو بحزب التجمع الدستوري الذي يضم مليوني عضو لكنها استبعدت لارتدائها الحجاب. لكن الصحفيين الذين عانوا من تجارب مريرة في وسائل الاعلام قالوا انهم يخشون ان قوى غير مرئية تحرك الاحداث. وقال وليد برهام وكان محررا في مجلة مملوكة للدولة وفصل لرفضه نشر مقالات تمتدح النظام السابق "ثمة حرية صحافة الان نتيجة الضغط الشعبي. الرؤساء لايزالون على رأس العمل ويحق للحكومة استبعادهم." 3